استمع للقرآن الكريم

الحض على طلب الرزق وتعاطي أسبابه



يا أيها الناس، أُوصيكم ونفسي بتقوى الله، والسعي في رضاه، والشكر له تعالى على سابغ نعماه، وأن يتوبَ كلُّ واحدٍ منا مما اقترَفه وجناه، فتِلْكُم الخِصال جماع أسباب السعادة، ومُوجبات الحُسنى والزيادة، وجالبات الرزق المبارك وكريم الإفادة.

عباد الله:
طلب الرزق فِطرةٌ فطَر الله - تبارك وتعالى - عليها الخَلق، ولقد يسَّر الله - سبحانه وتعالى - وكثَّر أسباب الرزق، وحثَّ - سبحانه وتعالى - على الْتِماسها وتقواه فيها بقوله الحق: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الجمعة: 10]، وقوله - سبحانه -: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

وقال - جل ذكره -: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الأعراف: 32].

وفي المسند عن رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - قال: ((نِعم المال الصالح للرجل الصالح))، وقال - صلى الله عليه وسلم-: ((أفضل الصدقة ما كان عن ظهْر غِنى)).

ولقد مرَّ رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلده ونشاطه، فقالوا: لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان خرَج يسعى على ولدِه صغارًا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوَين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان خرَج يسعى على نفسه يُعِفُّها، فهو في سبيل الله)).

أيها المسلمون:
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "يا أيها الناس، كُتِب عليكم أن يأخذ أحدكم ماله، فيبتغي به من فضْل الله - عز وجل - فإن فيه العبادة والتصديق، وايْم الله، لأنْ أموتَ في شعبتي رحلي وأنا أبتغي بمالي في الأرض من فضْل الله، أحبُّ إليّ من أن أموت على فراشي"، وقال عبدالرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وهو أحد العشرة المُبشرين بالجنة: "يا حبذا المال، أصونُ به عرضي، وأتقرَّب به إلى ربي".

معشر المسلمين:
وإذا كان الله - تبارك وتعالى - قد أمَر عباده بالابتغاء من فضْله، وتعاطي أسباب رزقه، ومتنوّع فضله؛ في البيع والشراء، والإجارة والكِراء، والوظائف العامة، وعند المؤسسات الخاصة، وإتقان الصنائع والمِهَن، وأداء الأمانة، والتحقُّق بالنصح وإتقان العمل، والْتِماس فضْل الله وما قسَم لعباده في الاتِّجار والإيجار، وما أودَع من رزقه من القِفار، وأجواف البحار، والصَّفْق في الأسواق، والشركات التي يحصل معها الصِّدق والبيان بعد الاتفاق، فقد قرَّر لهم - سبحانه - حقيقة يقينية من أصول العقائد الحقة، وهي أنه وحْده - سبحانه - هو الرزاق، فلا رازق غيره، كما لا ربَّ سواه، فالرزق كله عنده، وحظُّ العبد منه ما قسَمه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال - سبحانه -: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ﴾ [الشورى: 19]، وقال - سبحانه -: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22].

فسمَّى - سبحانه - نفسه الرزاق، وتمدَّح بالرزق، وجعَل ذلك من صفاته العَليَّة، وأفضاله الجليَّة، وأفعاله الحكيمة التي يستحق - سبحانه - الثناء عليها من كلِّ وجه وبكلِّ اعتبار، ويستحق التوحيد والشكر عليها من الأخيار والفُجار، فهو - سبحانه - الذي يُيسِّر الأسباب، ويَفتح للرزق الأبواب، ولقد أثنى الله - تبارك وتعالى - على نفسه بالغنى المُطلق عن جميع الخلْق، وحاجة الخلق إليه، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ [فاطر: 15].

وفي الحديث القدسي الصحيح، يقول تعالى: ((يا عبادي، كلكم جائعٌ إلا من أطعَمته، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي، كلكم عارٍ إلا من كسَوته، فاستكسُوني أَكسُكم...)) إلخ الحديث، وفيه: ((يا عبادي، لو أن أوَّلكم وآخركم، وإنسكم وجِنكم، اجتمعوا في صعيدٍ واحد، فسألوني، فأَعطيت كلَّ واحد منكم مسألته، ما نقَص ذلك مما عندي شيئًا))، وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إخباره عن ربه - تبارك وتعالى - على وجه الثناء عليه، وحثِّ العباد على ابتغاء الفضْل منه، يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((خزائنُ الله ملأَى، ويداه سحَّاء الليل والنهار، لا تَغيضها نفقة، أرأيتُم ما أنفَق منذ خلَق السمواتِ والأرض، فإنه لم يَنقص مما عنده إلا كما يَنقص المِخْيَط إذا أُدخل البحر))، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ليَسأل أحدكم حاجته، حتى شِسْعَ نَعْله إذا انقطع))؛ فإنه إن لم يُيسِّر الله، لَم يَتيسَّر.

أيها المؤمنون، ولقد أجمَعت رسل الله - عليهم الصلاة والسلام - المُرسلة إلى كل أُمة، وكُتُب الله المُنزَّلة - على ابتغاء الرزق من الله، وعدم الْتِماسه أو انتظاره من أحد سواه، فالرزق عند الرب الحق، وليس عند أحدٍ من الخلق؛ كما قال إبراهيم - عليه السلام - لقومه: ﴿ فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 17].

وفي المأثور عن نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - قوله: ((إن رزق الله لا يَجرُّه حرص حريص، ولا تردُّه كراهية كاره، فاتَّقوا الله وأجْمِلوا في الطلب، ولا يَحمِلنَّكم استبطاءُ الرزق على أن تَطلبوه بمعصية الله؛ فإن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته)).

معشر المؤمنين:
وكما أخبر - سبحانه - عباده أن أمْر الرزق عنده، وأن حظَّ العبد منه ما قسَمه، وحثَّ عباده على ابتغاء فضْله، والشكر له - فقد شرَع لهم وسائل كسْبه، وأباح لهم أسباب تحصيله، وأمرهم بتعاطيها، وابتغاء فضل الله تعالى فيها، وجعَل ذلك من كريم الطلب، ونفيس القُرب، ووعَدهم على ذلك جزيل الثواب، والرزقَ من غير حساب؛ هداية لأُولي الألباب، إلى خير الدنيا وحُسن المآب.

أيها المؤمنون:
وإذا كان دعاء الله تعالى وصِدق اللجأ إليه، وكمال الافتقار إليه، وتعاطي ما أباحه الله وشرَعه من الأسباب، مع حُسن الظن به سبحانه - في طليعة أسباب تحصيل واسع الفضل، وكريم الرزق من الحق، فإن للصلاة - فريضة ونافلة - أثرًا مباركًا في تيسير الرزق المعنوي والمادي وتعجيله؛ قال تعالى: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].

وفي سنن الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يقول الله تعالى: يا بن آدم، تفرَّغ لعبادتي، أمْلأ صدرك غنًى، وأسُدَّ فقرك، وإن لم تفعل، ملأتُ صدرك شُغلاً، ولم أسدَّ فقرك))، وفي ابن ماجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: سمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن جعل الهموم همًّا واحدًا - همَّ المعاد - كفاه الله همَّ دنياه، ومن تشعَّبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يُبالِ الله في أي أوْدِيتها هلَك)).

وفي ابن ماجه أيضًا عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - سمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَن كانت الدنيا همَّه، فرَّق الله عليه أمره، وجعَل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كُتِب له، ومن كانت الآخرة نيَّته، جمَع له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتَتْه الدنيا وهي راغمة)).

فتوحيد الله تعالى في الباطن من النية والقصد والافتقار وحُسن الظن، وتوحيد الله في الظاهر بالمحافظة على الصلاة، وفعْل الطاعات، والتقوى بترْك المخالفات، والتوبة إلى الله تعالى من الخطيئات - هي جِماع أسباب الرزق، وموجبات الغنى عن الخَلق، وحسْبُكم قولُ الحق - عز وجل -: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2 - 3].

معشر المسلمين:
وكذلكم من أعظم أسباب الرزق: كثرة الاستغفار والإخلاص لله تعالى فيه؛ حيث يتواطأ القلب واللسان والجوارح على ترك الذنوب، والندم على فعْلها خَجلاً من علاَّم الغيوب، والإلحاح على الله تعالى بطلب مَحو إثمها، وصرْف عقوبتها دنيا وآخرة، وما أكرم المطلوب! قال تعالى على لسان نوح - عليه السلام -: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12].

وفي المسند بإسناد حسن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن أكثَر من الاستغفار، جعَل الله له من كل هَمٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزَقه من حيث لا يَحتسب)).

أيها المؤمنون:
والتوكُّل على الله تعالى بتفويض الأمر إليه، وصِدق الاعتماد عليه، مع الثقة به، وتعاطي ما شرَعه الله - سبحانه - لتحصيل المطلوب واتِّقاء المرهوب - من أكرم الخصال التي يُستجلَب بها الرزق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه.

وفي المسند وغيره بإسناد صحيح إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله، لرزَقكم كما يرزق الطير؛ تَغدوا خِماصًا، وتَروح بِطانًا)).

وقال بعض السلف: "توكَّل، تُسَق إليك الأرزاق بلا تعبٍ ولا تكلُّفٍ".

معشر المؤمنين:
وكم لصلة الرحم - أي: القرابة - من أثرٍ مبارك في تيسير الرزق وكثرته، وحلول البركة فيه، ودفْع النِّقمة عنه؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سرَّه أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأَ له في أثره، فليَصل رَحِمَه))؛ رواه البخاري، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تعلَّموا من أنسابكم ما تصِلون به أرحامكم؛ فإن صلة الرحم محبَّة في الأهل، مَثراة في المال، مَنْسأة في العُمر)).

أمة الإسلام:
والإنفاق في وجوه الخير وما أباحه الله تعالى - من أوسع أبواب الرزق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ [البقرة: 267]، إلى قوله: ﴿ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268].

وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قال - تبارك وتعالى -: يا بن آدمَ، أنفِق، أُنفِق عليك)).

أمة القرآن، والحج والعُمرة سببان مباركان في نفْي الفقر وكثرة الرزق؛ قال تعالى في سياق أحكام الحج: ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 198]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((تابِعوا بين الحج والعمرة؛ فإنهما يَنفِيان الفقر والذنوب؛ كما يَنفي الكِير خَبَث الحديد والذهب والفضة)).
المرجو نشر هذا الموضوع

Sharing Widget bychamelcool


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق المحفوضة لدى كلفين للمعلوميات 2013 - 2014 | © كلفين للمعلوميات عدد الزوار المتواجدين حاليا بالموقع

back to top