الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه
ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا
وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ
له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، يُعطي لحكمة، ويَمنع
لحكمة، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله حذَّر أمَّته من عُقوبات الذنوب
والمعاصي، صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله -تعالى-
واعلَمُوا أنَّ الله - سبحانه وتعالى - يبتَلِي عباده ليظهر الصادق في
إيمانه، وليرجع العاصي إلى ربِّه ويتوب من ذنوبه، وقد ظهَرت المنكرات
وارتُكِبت المعاصي، وكثر الإمساس وقلَّ الإحساس، وتوالَت النِّعَم وكثرت
الخيرات، واستُعِين بها على مَعاصِي الله وتَناسَى الكثير الواجبَ فيما
أنعم الله به عليه، وبخل به وافتُتِن بزخارف الدنيا وانشَغَل بجمعها
وتكديسها؛ فجنى على أمَّته وعلى بهائم الأرض بشُؤم ذُنوبه ومَعاصيه، فإذا
تذكَّرَها تابَ بلسانه وخادَع بقلبه.
والله - سبحانه وتعالى - لا تخفى عليه
خافية، فما أُصِيبَ به المسلمون من قلَّة الأمطار وتأخُّر نزولها إنما ذلك
بسبب الذنوب والمعاصي وعدم الصدق في التوبة؛ قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((وما مَنع قومٌ زكاةَ أموالهم إلا مُنِعُوا القطرَ من
السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا)).
وفي الحديث: ((ما بخَس قومٌ المكيالَ والميزانَ إلا مُنِعُوا القَطرَ من السماء)).
فلا شكَّ أنَّ منعَه بسبب الذنوب
والمعاصي، فقد انتشرت وعمَّت وطمَّت، افتتانٌ بالدنيا، ومنعٌ للواجبات،
ومكرٌ وخداعٌ وتحايلٌ في الحصول عليها، وإنفاق الكثير فيما حرَّم الله،
فالتعامُل في الربا والغش والتدليس، وإنفاق الأموال الطائلة في آلات
اللهو، والفِسق والمجون، وفي المسكرات والمخدرات - كلُّ ذلك ظاهرٌ ومنتشر،
والتكاسُل عن الصلوات، وتبرُّج النساء، وفساد الأخلاق، والتشاحُن
والتقاطع، وقلَّة الإنكار وعدم الغيرة - كلُّ ذلك موجودٌ، ومع هذا فالكثير
يستَنكِر تأخُّر الأمطار، ولا يخشى ولا يتوقَّع حلول العُقوبات، وكأنه قد
أَمِنَ من أفعاله السيِّئة!
فيا عباد الله:
لا تعتَرُّوا بما أنتم فيه من نعمةٍ ورغد
عيش وأمن، ما دامت المنكرات ظاهرة؛ فإنَّ الله يُمهِل ولا يُهمِل، وإذا
أخَذ فإنَّ أخذه أليم شديد، فاتَّعظوا بغيركم فالمواعظ تحيط بكم، والسعيد
مَن وُعِظَ بغيره، اتَّقوا الله وارجِعوا إليه وتوبوا ممَّا وقعتُم فيه،
واعلَمُوا أنَّ للتوبة شروطًا لا بُدَّ منها، وهي: الإقلاع عن الذنب
وتركه، والندم على ما فات منه، والعزم على ألاَّ يعود فيه وإنْ كان الذنب
بين العبد وبين أحدٍ من خلق الله فلا بُدَّ مع هذه الشروط الثلاثة من شرطٍ
رابع وهو ردُّ المظلمة لصاحبها أو تحلُّله منها.
فاتَّقوا الله يا عباد الله في أنفُسكم وفي أمَّتكم وبلادكم وفي البهائم، ارجِعوا
إلى الله فإنَّ الرجوع إلى الحق فضيلة، تآمَروا بالمعروف وتناهَوْا عن
المنكر قبل حُلول العُقوبات، واشكُروا الله على ما أنتم فيه من نِعمة أمن
واستقرار ورغد عيش؛ لتَحفَظوا هذه النعمة التي لا يُوجَد على سطح المعمورة
مَن يُشارِككم فيها، والله - سبحانه وتعالى - لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى لا
يُغيِّروا ما بأنفُسهم، فما أحوجَنَا إلى التذكُّر والتناصُح والأخْذ على
يد السفيه والظالم؛ ففي الحديث عن أبي بكرٍ الصديق - رضي الله عنه - قال:
يا أيها الناس، إنَّكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
﴾ [المائدة: 105]، وإنِّي سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((إنَّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يَأخُذوا على يديه أوشَكَ أنْ يعمَّهم
الله بعقابٍ منه)).
ونحن اليوم يا عباد الله على خطَر عظيم
ممَّا وقع فيه الكثير من التساكُت والمداهنة، وقد ظهرت آثار ذلك، ونخشى من
عُقوبات وفتن أشد وأعظم؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].
فعلى مَن وقَع في شيء من هذه الذنوب
والمعاصي أنْ يتَّقي الله في نفسه، ويعود إلى رشده، ولا يعرض نفسه وأمَّته
إلى عُقوبات الدنيا والآخِرة، وعلينا جميعًا أنْ نتناصَح فيما بيننا،
ونأخُذ على يد السفيه والظالم؛ حتى نكون كما وصَفَنا الله - سبحانه وتعالى
- بقوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].
فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد أنعَمَ
علينا بنعمة الإسلام والأمن في الأوطان، ورغد العيش وصحَّة الأبدان،
فعلينا أنْ نشكُر المنعِمَ - جلَّ وعلا - وأنْ نمتثل أوامره ونجتنب
نواهيه؛ حتى يحفظ علينا هذه النعمة، لنسعَدَ في الدنيا ونسلَمَ من الفتن
والشرور والوَيْلات التي وقَع فيها غيرُنا، ونسعَدَ في الدار الآخرة دار
القَرار والنعيم.
اللهم مُنَّ علينا بالتوبة الصادقة، ووفِّقنا للعمل بما يُرضِيك، وأصلح ما فسد من أحوالنا، واهدِ ضالَّنا، إنَّك سميع مجيب.
بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم،
ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم
إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلَمُوا - رحمكم الله - أنَّ العباد
إنما يُؤتَوْن من قِبَلِ أنفسهم، والله - سبحانه وتعالى - غني يُعطِي
لحكمة ويمنَع لحكمة، وهذه الدار دارُ ابتلاء وامتحان، فمَن تمادَى في
عِصيانه وطُغيانه قامتْ عليه الحجَّة، ومَن رجَع إلى الله وتابَ تابَ الله
عليه، وليست الدنيا وزهرتها مِقياسًا؛ فالله يُعطِي الدنيا مَن يحبُّ
ومَن لا يحبُّ، ولكنَّه لا يعطي الدِّين إلا لمن يحبُّ، ولو كانت الدنيا
تَزِنُ عند الله جناحَ بعوضة ما سقى منها كافرًا شربةَ ماء، وقد تأخَّرت
الأمطار بسبب الذنوب والمعاصي فلا بُدَّ من الرُّجوع إلى الله والصدق في
التوبة؛ ليسعد العبد في دُنياه وأُخراه.
اللهم اغفر لنا وارحمْنا وتُبْ علينا، إنَّك أنت التوَّاب الرحيم.
فاتَّقوا الله يا عباد الله وارجِعوا إلى الله.
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق