استمع للقرآن الكريم

وقفات عاجلة مع خطبة الوداع



في الحجة الوحيدة التي حجها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإسلام والتي سميت بحجة الوداع خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - عدداً من الخطب، خطبة قبل يوم التروية وخطبة يوم عرفة وخطبة يوم النحر وخطبة في ثاني أيام التشريق حضر هذه الخطب أكثر من مائة وأربعة وعشرين ألف نفس وقيل مائة وأربعة وأربعون ألفا فأستغل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الجمع الغفير في تعليمهم قواعد الإسلام وإرساء أصوله وثوابته وهدم مبادئ الجاهلية وعظم في خطبته حرمات المسلمين وودع الناس واستعذرهم وقال لهم لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا وذلك بعد أن استقر التشريع واكتمل الدين وتمت النعمة ورضي الله للإنسانية الإسلام دينا لا يقبل من أحد ديناً سواه ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

ألقى النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمات موجزة لأن الانبياء لم يكونوا من تجار الكلام أو عارضي الأساليب وإنما كانت خطبهم وكلماتهم دقيقة مختصرة تحمل معاني كبيرة وعظيمة فيها شفاء لما في الصدور ودواء لما في القلوب.

إن أول شيء أكد عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خطبته هو التوحيد والنهي عن الإشراك بالله وإثبات استحقاق العبادة لله وحده لا شريك له فردد مراراً كلمة التوحيد "لا إله إلا الله".

ثم أثار النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبته قضية عظيمة وهي أن الناس متساوون في الحقوق والتكاليف والواجبات لا فضل لأحد على أحد ولا فرق بين أعجمي وعربي إلا بالتقوى ولا تمايز بين الناس في نسب أو جنس أو لون وهذا إعلان عام في القضاء على جميع النزاعات العنصرية والنعرات الوطنية والتقسيمات الطائفية وتنبيه للناس جميعاً في ذلك المشهد العظيم حيث قال لهم - صلى الله عليه وسلم - " أيها الناس إن ربكم واحد وإن اباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب وإن أكرمكم عند الله أتقاكم ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى ثم قرأ ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].

ثم لفت النبي - صلى الله عليه وسلم - أنظار الناس إلى قضية المرأة هذه القضية التي يثيرها أعداء الإسلام اليوم بعكس ما أثارها النبي - صلى الله عليه وسلم - فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أثارها ليرد للمرأة حقوقها المسلوبة وأعداء الإسلام يثيرون قضية المرأة ليعيدوها إلى المربع الأول مربع الجاهلية والعنف والشهوة أما خطاب الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن المرأة في خطبة الوداع فقد بدأه بقوله " فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله...

لقد انتج الإسلام المرأة العالمة كأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن أبيها وخرّج المربية الفاضلة كأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما وأنتج الشاعرة المجيدة كالخنساء التي أذهلت الشعراء بأشعارها وقصائدها وخرّج المجاهدة الصابرة التي تصد العدوان وترد البغي كخولة بنت الأزور رضي الله عنها ووالله ما نزلت قيمة المرأة ولا ضاعت حقوقها إلا عندما طالب بحقوقها هؤلاء الأدعياء المسعورين الذين يأمرونها بترك الدين والاختلاط بالرجال ورفع الحجاب فصارت المرأة لقمة سائغة للذئاب يلعبون بها كما يشاءون.

عباد الله:
في خطبته العصماء أرشد الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمته إلى المخرج من الفتن والمنقذ من الضلالة فقال " تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي".

فأين نحن من الكتاب والسنة وأين نحن من المطالبة بتحكيمهما وهل علمنا أن كل المصائب والأزمات التي حلت بنا ماهي إلا بسبب بعدنا عنهما وعدم الالتزام بهما وإنزال نصوصهما على أرضع الواقع.

ثم حذر - صلى الله عليه وسلم - تحذيراً شديداً من الاستهانة بالدماء والاستخفاف بالقتل بغير حق فقال - صلى الله عليه وسلم - " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض" وقال " إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا".

واليوم قد ظهر ما حذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكثر القتل والاقتتال والاغتيالات والمذابح وأصبح كثير من حكامنا هوايتهم القتل يقتلون كل من خالفهم أو طالب برحيلهم وينتهكون أموال وأعراض كل من نصحهم أو حذر من شرهم ومكرهم وانبطاحهم لأعداء الإسلام ونسوا قول الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

الخطبة الثانية

أيها الناس:
من الوصايا العظيمة التي أوصانا بها رسولنا - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع أن قال لنا " اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم" فما أجملها من وصايا وما أعظمها من نصائح يوصينا بها الناصح الأمين - صلى الله عليه وسلم - لكي نحافظ على هذه الأركان المهمة من أركان الإسلام "اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وحجوا بيتكم وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم".

وحذر - صلى الله عليه وسلم - من الربا الذي يدمر الاقتصاد ويفسد المعاملات ويخرب البلاد ويمحق البركات ووضعه تحت قدمه واليوم نرى بنوك الربا ومعاملاته قد انتشرت وكثرت ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وبعد انتهائه - صلى الله عليه وسلم - من الخطبة العصماء قال للناس "إنكم ستسألون عني فما أنتم قائلون فارتفعت الأصوات من حوله تصرخ نشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة فرفع الرسول - صلى الله عليه وسلم - سبابته إلى السماء قائلاً اللهم فاشهد اللهم فاشهد اللهم فاشهد فكانت شهادتهم مصداقاً لما قال الله ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67] فلما شهدوا له بذلك أشهد ربه على ذلك ثلاث مرات.

إنها خطبة بليغة حوت في طياتها المبادئ والأسس وحققت مبادئ العدالة الاجتماعية وثبتت حقوق الإنسان وتضمنت العلاج لكل مشاكل الحياة وأزماتها بأسلوب بسيط وعبارات سهلة وكلمات موجزة لم تتضمن شيئاً من التعقيدات أو القضايا الفلسفية أو النظريات الخيالية فصلى الله وسلم على من آتاه ربه جوامع الكلم صلى لله عليه وسلم.


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/1067/61258/#ixzz2hnGA4wyk
المرجو نشر هذا الموضوع

Sharing Widget bychamelcool


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق المحفوضة لدى كلفين للمعلوميات 2013 - 2014 | © كلفين للمعلوميات عدد الزوار المتواجدين حاليا بالموقع

back to top