الأيام تمضي حثيثة، والسنون تَتبعها
سراعًا، ودنيانا حُبلى بالفتن والمفاسد، فكل يوم تلِد الدنيا كارثةً،
فتتردَّد معها صرخات الساقطين المُدوية.
فمن تلك الفتن التي يعيشها زماننا:
تمثيل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحُجة تعليم الناس وتعريفهم
بخير القرون، التي قال عنها الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((خير القرون
قرني)).
وتلك الحجج الواهية، والصراع الشديد
لتمييع الدين والتقليل من مبادئه وممن جاء به ومَن أُرسل إليه، ومن اقتفى
أثره من الرعيل الأول، وتزيين الباطل بصورة الحق من أولئك المارقين؛ ما هي
إلا فتْح لأبواب الفتن على أُمتنا، وليُسهلوا على عدوِّنا الولوج إلينا من
تلك الخروق التي يسعى لإحداثها مَن يتكلمون بألسِنتنا ومن بني جِلدتنا.
فلا يخفى على عاقل أن أعداءَنا يسعون لأن
تُجعل الكعبة في بلاد غير الجزيرة، وما تمثيل الكعبة وطواف الناس حولها في
ذلك المسلسل، إلا خطوة أولى وإشارة أكبر خطرًا لضربنا نحن المسلمين هنا في
جزيرة العرب، وإضعاف تعظيم شعيرة الله وحُرمة الكعبة، وإضعاف مكانة البيت
الحرام ومهابة ذلك المكان في نفوس أبنائنا،
فأي تعليم هذا؟! أليس هذا إفسادًا لعقيدة أبنائنا؟! أم أن التعليم لديهم لا
يأتي إلا بتمييع الدين - حتى يغدو جيلنا هشَّ البنية الدينية والعقَدية -
وبخطوات لتَخلِّي أبنائنا عن هُويَّتهم الإسلامية؟!
وما هو الفرق بين مَن يسبُّ صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وبين مَن يُجيز تمثيل أصحاب الرسول -رضي الله عنهم وأرضاهم؟!
وكيف يسوغ
لأولئك أن يَجتمعوا؛ ليوافقوا ويواطئوا ثُلة ممن يريدوننا ويتربَّصون بنا
الدوائر؟! ومنذ متى حرَصنا على أن نجعل لأبنائنا مدرسة نظامية عبر شاشة
التلفاز؟!
بالأمس القريب أجازوا تمثيل سيِّدَي شباب أهل الجنة، فأقدموا على تمثيل الحسن والحسين!
واليوم يَخطون خطوات واسعة بجواز تمثيل
عمر بن الخطاب! وغدًا سيتطاول الأقزام على سيِّد الأنام رسولنا -عليه
الصلاة والسلام- كما تطاوَل عليه غيرُهم، وأسأل الله ألا يُبلِّغهم تلك
الساعة.
سيأتي عليهم يومًا يُجيزون تمثيل الرسول -عليه الصلاة والسلام- بحُجة تعريف الناس برسولهم؟!
فيا رعاكم الله، لا يخفى على الجميع -
صغيرًا كان أو كبيرًا- أن ثُلة من الناس يُبغضون عمر بن الخطاب -رضي الله
عنه- والآن يأتون ليُجسِّدوا لنا فارس قريش، وليُعلِّمونا مَن هو عمر -رضي
الله عنه.
إننا لسنا في حاجة لتمثيل عمر لنَعرفه، فنحن في غنًى عنهم وعن تمثيلهم الباطل، فنحن مَن نُعرِّفهم بعمر بن الخطاب -رضي الله عنه.
ومَن منَّا لا يعرف ابن الخطَّاب؟!
بايَع المسلمون أبا بكر الصديق بعد وفاة
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأنه أفضل المهاجرين، وثاني اثنين إذ هما
في الغار، وخليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الصلاة، فلما حضَرت
أبا بكر الوفاةُ، اختار لهم عمر -رضي الله عنه- قائلاً:
"إذا لقيتُ الله ربي فساءَلني، قلت: استخلفتُ على أهلك خيرَ أهلك".
وقال: "أترضون بمَن أستخلف عليكم؟ فإني
والله ما ألوتُ من جهدِ الرأي، ولا ولَّيتُ ذا قرابة، وإني قد استخلفتُ عمر
بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، فقالوا: سمِعنا وأطَعنا.
• عمر أيها الكرام، قال عنه عبدالله بن مسعود: ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر.
• عمر -رضي الله عنه- قال عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله جعل الحقَّ على لسان عمر وقلبه)).
• عمر
-رضي الله عنه- لَمَّا أسلم، قال لرسول الله: ألسْنا على الحق إن مِتنا أو
حَيينا؟! قال: ((بلى، والذي نفسي بيده، إنكم لعلى الحق إن متُّم وإن
حَييتم))، قال: ففِيمَ الاختفاء؟ والذي بعثَك بالحق لتَخرُجَنَّ.
• عمر
-رضي الله عنه- هاجر علانيةً يوم هاجر المسلمون سرًّا؛ فقد رُوِي عن ابن
عباس قال: قال لي علي بن أبي طالب: ما علِمت أن أحدًا من المهاجرين هاجر
إلا متخفيًا، إلا عمر بن الخطاب.
• عن أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أشدُّ أُمتي في أمر الله عمر)).
• إن الشيطان ليخاف من عمر - رضي الله عنه.
• قال
عبدالله بن مسعود: فضَل الناسَ عمرُ بن الخطاب بأربع: بذِكر الأسرى يوم
بدر؛ أمَر بقتْلهم، فأنزَل الله: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ
لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]، وبذكر
الحجاب؛ أمَر نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتحجَّبْنَ، فقالت
زينب: إنك علينا يا بن الخطَّاب والوحي ينزل في بيوتنا، فأنزل الله تعالى:
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}
[الأحزاب: 53].
وبدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((اللهم أيِّد الإسلام بعمر))، وبرأيه في أبي بكر؛ كان أوَّل مَن بايَعه.
• قال
-صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب: ((لقد دخلتُ الجنة فرأيت قصرًا لك يا
عمر، فجئت لأدخله، فرأيت في الباب جارية، فلمَّا رأيتُها، تذكَّرت غَيْرتك
يا عمر؛ فلم أدخله))، فقال عمر -رضي الله عنه-: "أعليك أغار يا رسول
الله؟!".
هذه غيرة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لعمر، فأين غَيْرتنا على عمر وعلى زوج عمر؟!
• فإلى متى سيظل الدم المسلم باردًا إزاء ما يحصل؟!
لسنا نيامًا، فنحن نعي ما يحصل، ونُدرك
جيدًا ما يدور من حولنا، ولا نرضى أن يأتي الإسلام من قِبَلكم يا مَن
تتزيَّنون بالدين، فيا زمن، اشهَد على صنيعهم، ويا تاريخ، اكتُب قُبح
فِعْلهم، والخيبة والخُسران لذلك الجمْع الذي أباح ذلك المسلسل، وسعوا في
تجسيد أصحاب رسول الله والعَشرة المبشرين بالجنة، زعموا فانحرَفوا،
واجتمعوا فانتكَسوا.
اللهم إننا نَبرأ إليك مما أقدَم عليه هؤلاء، وإننا لنَكِل أمرهم إليك، فعامِلهم يا ألله بما يستحقون.
إيه يا بن الخطاب، تطاوَل الأقزام عليك،
ولم يتحرَّك للغَيْرة عليك إلا جمْعٌ قليل، ولكننا لهم بالمرصاد، والله
لنُسلِّطن عليهم سهام الليل التي لا تُخطئ، ولكن لها أمَدٌ، وللأمَد
انقضاء.
وختامًا:
• تموت الكلمات حين لا تتخطَّى حدود لحظاتها.
• وتَهرَم المشاعر حين لا تتجاوز النفس نزَواتها.
• ولا يبقى إلا ما ارتوى من كوثر رَقراق، يَصبُّ فيه ميزاب الحق.
• فعطر الوردة لا يبقى أكثر من زمن حياتها.
• لكن ضوء النجم يبقى وإن غاب النجم عن مكانه.
كذلك سيرة ابن الخطاب -رضي الله عنه- نجمٌ
مات، لكن تبقى سيرته يُحيي الله بها قلوبًا، وتبعث أمواتًا تَخلَّوا عن
مبادئ دينهم، وتُوقظ نيامًا ماتت ضمائرهم عن الحق.
اللهم يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك، ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهبْ لنا من لدُنك رحمة؛ إنك أنت الوهَّاب.
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق