استمع للقرآن الكريم

سبب تأخر الأمطار



الحمدُ لله نحمَدُه، ونستَعِينه ونستَهدِيه، ونستَغفِره ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله, صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحابته وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ:
فيا عباد الله، اتَّقوا الله -تعالى- وتُوبوا إليه واستغفِروه يغفر لكم ذنوبكم، ويُدخِلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ويمدكم من فضله، واعلَمُوا يا عباد الله أنَّ ما أصاب البلاد من قلَّة أمطار إنما هو بسبب الذنوب والمعاصي وخُصوصًا منع الزكاة وأكل الحرام؛ ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنَّه قال: ((خمسٌ بخمس))، قالوا يا رسول الله وما خمس بخمس؟ قال: ((ما نقض قوم العهد إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم، وما حكَموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهَرتْ فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طَفَّفُوا المكيالَ والميزان إلا مُنِعُوا النبات وأُخِذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم القَطرُ))[1].

ومن أسباب عدَمِ قبول الدعاء أكْل الحرام، فقد فشا الربا وانتشر، وكثُر التعامل به في البنوك وفي كثيرٍ من المعاملات، وأصبحتْ لُقمة العيش عند الكثير من الناس حرامًا وعند البعض مشبوهة، قد نالها الغبار ممَّا يحيط بها، وقلَّ الاهتمام عند الكثير من الناس بمأكله ومشربه وملبسه، وبذلك قلَّ قبول الدعاء، ولا شكَّ أنَّ ذلك من قِبَلِ العباد؛ فالله - سبحانه وتعالى - غنيٌّ، وقد أمَر بالدعاء ووعَد بالاستجابة، ولكن لا بُدَّ من إزالة الموانع للإجابة، ومن ذلك البُعد عن المحرمات من أكل الربا، ومنع الزكاة وبخس المكيال والميزان، وما أصاب العباد فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير.

والله يبتَلِي عِباده ليَرجِعوا إليه، فلا بُدَّ يا عباد الله من تفقُّد الأحوال ومحاسبة النُّفوس وإصلاح ما وهَى وضعُف، والرجوع إلى الله بصِدق وعزيمة وإزالة أسباب منْع القطر، ثم إنَّ ثمرات هذه المعاصي لا تقتصر على منع الأمطار، بل تلحق العبد في نفسه وماله وولده، في دُنياه وتدَّخر له العُقوبات في الآخرة، فالكيِّس والعاقل يَحتاط لنفسه ويسعى في فكاكها ممَّا وقعتْ فيه، ولا يرضى لنفسه بالذلَّة والمهانة في دُيناه والخزي والعار والنار في الآخرة، فإنَّ الذنوب غِلٌّ وقُيود، وصاحبها مُهانٌ ومُحتَقر، ولا بُدَّ له من ذلك وإنْ ظهر له في بعض الأوقات صولة وجولة واحترام لغرض دنيوي فمآله للذلَّة والإهانة والحسرة والندامة، مع ما يجنبه على غيره من شُؤم معصيته؛ فإنَّ المعاصي إذا انتَشرتْ في البلاد وتَساكَتَ الناس عنها وتخاذَلُوا أمامَ أصحابها عمَّ شرُّها الصالح والطالح، ومن ذلك منْع القطر، فقد عمَّ البلاد مع وُجود الصلحاء ولكنَّ ضعف الغيرة وقلَّة الإنكار سبَّب منع القطر، وفي الحديث: ((وما منع قومٌ زكاةَ أموالهم إلا مُنِعُوا القطرَ من السماء ولولا البهائم لم يُمطَروا)).

فشُؤم معاصي بني آدَم عمَّ حتى البَهائِم، فما أحوَجَنا إلى العودة إلى الله بصِدق وإخلاص؛ لننال سعادة الدنيا والآخرة، فإنَّ عمل الآخرة لا يلهي عن عمل الدنيا المتَّفِق مع تعاليم نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - فما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه ولا شرًّا إلا حذَّرَنا منه، ومن ذلك فعل الطاعات والبُعد عن المحرَّمات وإخلاص العمل لله وإبعاد ما يُؤثِّر عليه أو يُقلل ثوابه، فشواهد الأحوال موجودةٌ يا عباد الله.

ولا ينبغي أنْ نتجاهل أو نُنكِر الواقع ونُغالِط نُفوسَنا، ولا ينبغي أنْ نستسلم للهوى والنَّفس والشيطان ونتخاذَل أمام هذه الأعداء، مع أنَّ الأمر سهل وميسور فهو توبةٌ إلى الله وصدقٌ وعزيمة وبُعد عمَّا يضرُّ في الدنيا والآخرة، والتزامٌ لأوامر الله، واجتنابٌ لنواهيه، وكلُّ هذا لا يحتاج إلى كلفة ولا مشقَّة ولا قتال بالسلاح، فلا أحد يحمل العبد على المعاصي ويجبره بالقوَّة على ارتكابها، وإنما ضعف النفوس ومطاوعة الهوى والشيطان يجعل العبد يقع فيما يقع فيه ويأسر نفسه بنفسه لاستِسلامه لعدوِّه الحريص على هلاكه، فلا يفيقُ العبد إلا بعد الوقوع في شراكه؛ فيندم حيث لا ينفع الندم إلا بالتوبة والإقلاع والعزم على عدم العَوْدة.

فاتَّقوا الله يا عباد الله؛ فبتَقواه يحصل لكم سعادة الدارين، اللهم اجعَلْنا من عبادك المتقين، وتُبْ علينا إنَّك أنت التوَّاب الرحيم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
قال الله العظيم: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41].

بارَك الله لي ولكم في القُرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتابَ عليَّ وعليكم إنَّه هو التوَّاب الرحيم.

أقول قولي هذا وأستغفِر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنب، فاستغفِروه إنَّه هو الغفور الرحيم.

ثم اعلَمُوا يا عباد الله أنَّ ما يصيب العباد والبلاد من قلَّة خيرات ونقص في الثمرات وتأخُّر الأمطار، إنَّما ذلك بسبب الذنوب والمعاصي، فينبغي أنْ يكون ذلك واعظًا ومُنبهًا لنا للعودة إلى الله والصدق معه في السر والعلَن، فالعبد خطَّاءٌ، وخير الخطَّائين التوَّابون، فتُوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.


[1] جزءٌ من حديث رواه ابن عباس، انظر: الترغيب والترهيب: 1/544، قال الألباني: حسن، انظر: صحيح الترغيب والترهيب: 1/321.
المرجو نشر هذا الموضوع

Sharing Widget bychamelcool


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق المحفوضة لدى كلفين للمعلوميات 2013 - 2014 | © كلفين للمعلوميات عدد الزوار المتواجدين حاليا بالموقع

back to top