إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره
ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا
مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وأصحابه
وأتباعه وسلم تسليما.
أما بعد:
فيا أيها الناس اتقوا الله والزموا الحق فإن الله تعالى هو الحق، وقوله
الحق ودينه الحق، ورسوله حق، ووعده حق، ولقاءه حق، والجنة حق والنار حق،
فاثبتوا على الحق فإن الحق وأهله في الجنة، وإن الباطل وأهله في النار، ألا
وإن الأعمار منتهية والحياة منقضية، ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة
فينبئكم بما كنتم تعملون ﴿ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ
الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ *
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ
يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾[1].
عباد الله:
إن للثبات على الحق أسباباً وللضلال عنه أبواباً، فاطلبوا أسباب الثبات
عليه واحذروا وفروا من أبواب الضلال عنه فإنه من يتحرى الخير يلقه، ومن
يتوقى الشر يوقه، ومن لا يتحرى ولا يتوقى فإنه من الأخسرين الهالكين شرعاً ﴿
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ
أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾[2].
أيها المسلمون: إن من أسباب الثبات على الدين الحق أن يعترف المرء بمنة الله عليه ويغتبط بالهداية له وفيه كما قال تعالى ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾[3] وقال تعالى ﴿ وَلَكِنَّ
اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ
وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ
هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾[4].
معشر المسلمين:
ومن أسباب الثبات على الدين الحق، الاستقامة على ما علم منه بالعمل به
بالتقرب إلى الله تعالى بأداء ما افترض الله عليه، والبعد عما نهاه الله
عنه وترك الركون إلى الظالمين والفاسقين وترك ما اشتبه عليه حكمه
والاستكثار من النوافل، والتوبة إلى الله تعالى من الخطيئة، وإتباع السيئات
بالحسنات كما قال تعالى ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *
وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا
لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ *
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾[5].
معشر المسلمين:
ومن أعظم أسباب الثبات على الدين الحق الإلحاح على الله تعالى بالدعاء مع
الضراعة طلباً للثبات عليه والعصمة من الزيغ عنه والبراءة من الحول والقوة
إلا بالله تعالى كما قال تعالى ﴿ يُثَبِّتُ
اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ
اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾[6]، وأخبر تعالى عن الراسخين في العلم أنهم يقولون ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ ﴾[7]،
وفي المأثور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول: «ربي زدني
علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب»،
وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: «اللهم مقلب القلوب ثبت
قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك»، وقال - صلى الله
عليه وسلم -: «ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة».
معشر المسلمين:
ومن أعظم أسباب الثبات على الحق دعوة الناس إليه وثبتهم عليه فإنه جهاد،
والمجاهد لله وبه مثبت ومهدي ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن دعى
إلى الهدى كان له مثل أجور من تبعه، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «فو الله
لأن يهدي الله بك رجلاً واحدا خير لك من حمر النعم».
معشر المؤمنين: ومن موجبات الثبات على الحق والهدى مجالسة أهل الإيمان والتقوى قال تعالى ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾[8]،
وفي الحديث «لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» وفيه أيضاً «هم
القوم لا يشقى بهم جليسهم» وذلك لأنهم يدلون على الهدى ويزجرون عن الردى،
ويعينون على التقوى».
أيها المؤمنون: ومن أسباب الثبات على الدين الحق الإعراض والفرار عن مجالس الخصومات والجدل في الدين والنأي عن الفتاتين كما قال تعالى ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ ﴾[9] وقال تعالى ﴿ وَقَدْ
نـزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ
يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى
يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ
جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾[10]،
ولما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الدجال وعظم فتنته وأنه أعظم فتنة
منذ خلق الله آدم وإلى أن تقوم الساعة قال - صلى الله عليه وسلم -: «فمن
سمع به فلا يأتي، ومن حضره فلينأى عنه»، وقال - صلى الله عليه وسلم -: «يا
عباد الله اثبتوا».
أمة الإسلام:
ومن أسباب الثبات على الدين ما قرره علماء الأئمة المهتدون بهدي الكتاب
والسنة من وجوب هجر أهل البدع ومقاطعتهم فإن مجالستهم تمرض القلوب وإن
توقيرهم سعي في هدي الإسلام، وما ذاك إلا لعظم الفتنة منهم وبهم، فمن كان
يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجالس صاحب بدعة ولا يأخذ دينه عن صاحب بدعة
فإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم فإن أهل السنة أخذوا دينهم عن
أئمة الهدى وإن أئمة الهدى أخذوا دينهم عن تابعي التابعين وتابعي التابعين
أخذوا دينهم عن التابعين والتابعون أخذوا دينهم عن أصحاب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - والصحابة رضي الله عنهم أخذوا دينهم عن النبي - صلى الله
عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ دينه عن جبرائيل عليه
السلام عن الله جل وعلا.
معشر المؤمنين:
تلكم هي السلسلة الذهبية للدين والسند المتين إلى رب العالمين. وإن أهل
البدع أخذوا دينهم عن الجهلة الضالين وعن أهل الأهواء المنحرفين وعن
الزنادقة المنافقين وعن المغضوب عليهم والضالين. فالحمد لله الذي هدانا
لدينه الحق وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ﴿ قُلْ
إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا
مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[11].
أمة الإسلام:
اغتبطوا بهذا الدين الحق الذي جاءكم من عند ربكم الرحمن، نـزل به القرآن
وعلمكم إياه نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فعلاً وتركاً وهدياً من الوحي
والبيان، فافرحوا بهذين الأمرين أعني القرآن وسنة نبيكم - صلى الله عليه
وسلم - والمكلف بالبيان وبإتباعهم فإن ذلك من الفرح المشروع وإن الاغتباط
بهما شأن أهل الإيمان والخشوع ﴿ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾[12].
بارك الله لي ولكم في القرآن.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/1067/58920/#ixzz2hdytZ3GG
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق