العمل بالحساب في الأشهر:
فإنا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن
العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من
الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز. والنصوص
المستفيضة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك كثيرة. وقد أجمع المسلمون
عليه. ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلا ولا خلاف حديث؛ إلا أن بعض المتأخرين من
المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب
أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا.
وهذا القول وإن كان مقيدا بالإغمام ومختصا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع
على خلافه[1].
الأضحى يوم يضحي الناس:
وسئل شيخ الإسلام رحمه الله عن أهل مدينة رأى بعضهم هلال ذي الحجة ولم يثبت عند حاكم المدينة:
فهل لهم أن يصوموا اليوم الذي في الظاهر التاسع. وإن كان في الباطن العاشر؟.
فأجاب:
نعم. يصومون التاسع في الظاهر المعروف عند الجماعة وإن كان في نفس الأمر
يكون عاشرا ولو قدر ثبوت تلك الرؤية. فإن في السنن عن أبي هريرة عن النبي -
صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ( صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون
وأضحاكم يوم تضحون ) أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه. وعن عائشة -
رضي الله عنها - أنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (
الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحي الناس ) رواه الترمذي وعلى هذا
العمل عند أئمة المسلمين كلهم، فإن الناس لو وقفوا بعرفة في اليوم العاشر
خطأ أجزأهم الوقوف بالاتفاق، وكان ذلك اليوم يوم عرفة في حقهم ولو وقفوا
الثامن خطأ ففي الإجزاء نزاع، والأظهر صحة الوقوف أيضاً، وهو أحد القولين
في مذهب مالك ومذهب أحمد وغيره. [2]
من رأى هلال ذي الحجة وحده:
لكن شهر النحر ما علمت أن أحداً قال من
رآه يقف وحده دون سائر الحاج، وأنه ينحر في اليوم الثاني ويرمي جمرة العقبة
ويتحلل دون سائر الحاج، وإنما تنازعوا في الفطر[3].
ابن أخت المرأة محرم لها في السفر...
خلوة ابن الزبير بها ومسه لها جائز بالكتاب والسنة والإجماع، وهي لم تسافر إلا مع ذي محرم منها[4].
أفضل أيام العام:
أفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة باتفاق العلماء، وأفضل أيام العام هو يوم النحر[5].
نية العمل الواجب:
واتفق الفقهاء على أن نية نوع العمل الواجب لابد منها في الجملة فلا بد أن يقصد الصلاة أو الحج أو الصيام[6].
وقد اتفق العلماء على أن العبادة المقصودة لنفسها كالصلاة والصيام والحج لا تصح إلا بنية[7].
مفهوم الاستطاعة:
فإن هذه الاستطاعة لو لم تكن (إلا) مقارنة
للفعل، لم يجب الحج على من لم يحج، وإلا وجب على من لم يتق الله أن يتقي
الله ولكان كل من لم يصم الشهرين المتتابعين غير مستطيع للصيام، وهذا كله
مخالف النصوص، وخلاف إجماع المسلمين[8].
العبادات لا تجب إلا على المستطيع:
واتفقوا على أن العبادات لا تجب إلا على
مستطيع وأن المستطيع يكون مستطيعا مع معصيته وعدم فعله كمن استطاع ما أمر
به من الصلاة والزكاة والصيام والحج ولم يفعله فإنه مستطيع باتفاق سلف
الأمة وأئمتها وهو مستحق للعقاب على ترك المأمور الذي استطاعه ولم يفعله لا
على ترك ما لم يستطعه[9].
عدم وجوب العبادات على المجنون والصغير:
وأما المجنون الذي رفع عنه القلم فلا يصح
شيء من عباداته باتفاق العلماء. ولا يصح منه إيمان ولا كفر ولا صلاة ولا
غير ذلك من العبادات؛ بل لا يصلح هو عند عامة العقلاء لأمور الدنيا
كالتجارة والصناعة. فلا يصلح أن يكون بزازا ولا عطارا ولا حدادا ولا نجارا
ولا تصح عقوده باتفاق العلماء. فلا يصح بيعه ولا شراؤه ولا نكاحه ولا طلاقه
ولا إقراره ولا شهادته. ولا غير ذلك من أقواله بل أقواله كلها لغو لا
يتعلق بها حكم شرعي ولا ثواب ولا عقاب. بخلاف الصبي المميز فإن له أقوالا
معتبرة في مواضع بالنص والإجماع وفي مواضع فيها نزاع[10].
ولهذا اتفق العلماء على أن المجنون
والصغير الذي ليس بمميز ليس عليه عبادة بدنية كالصلاة والصيام والحج،
واتفقوا على وجوب الحقوق في أموالهم كالنفقات والأثمان[11].
جاحد وجوب الحج:
فكل من لم ير حج البيت واجباً عليه مع الاستطاعة فهو كافر باتفاق المسلمين[12].
وسئل رحمه الله ما تقول السادة العلماء
أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في رجل قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد
أن محمدا عبده ورسوله ولم يصل ولم يقم بشيء من الفرائض، وأنه لم يضره
ويدخل الجنة وأنه قد حرم جسمه على النار؟. وفي رجل يقول: أطلب حاجتي من
الله ومنك: فهل هذا باطل أم لا؟ وهل يجوز هذا القول أم لا؟
فأجاب: الحمد
لله. إن من لم يعتقد وجوب الصلوات الخمس والزكاة المفروضة وصيام شهر رمضان
وحج البيت العتيق، ولا يحرم ما حرم الله ورسوله من الفواحش والظلم والشرك
والإفك: فهو كافر مرتد، يستتاب فإن تاب وإلا قتل باتفاق أئمة المسلمين، ولا
يغني عنه التكلم بالشهادتين. وإن قال: أنا أقر بوجوب ذلك علي وأعلم أنه
فرض وأن من تركه كان مستحقا لذم الله وعقابه؛ لكني لا أفعل ذلك: فهذا أيضا
مستحق للعقوبة في الدنيا والآخرة باتفاق المسلمين. [13].
حكم نية الإضافة لله في العبادات:
فلهذا كان الصحيح عندنا وعند أكثر العلماء
أن هذه العبادة فاسدة لا يسقط الفرض بهذه النية وقلنا: إن عبادات المرائين
الواجبة باطلة وإن السلطان إذا أخذ الزكاة من الممتنع من أدائها لم يجزه
في الباطن على أصح الوجهين لكن لما كان غالب المسلمين يولد بين أبوين
مسلمين يصيرون مسلمين إسلاما حكميا من غير أن يوجد منهم إيمان بالفعل ثم
إذا بلغوا فمنهم من يرزق الإيمان الفعلي فيؤدي الفرائض ومنهم من يفعل ما
يفعله بحكم العادة المحضة والمتابعة لأقاربه وأهل بلده ونحو ذلك: مثل أن
يؤدي الزكاة لأن العادة أن السلطان يأخذ الكلف ولم يستشعر وجوبها عليه لا
جملة ولا تفصيلا. فلا فرق عنده بين الكلف المبتدعة وبين الزكاة المشروعة أو
من يخرج من أهل مكة [كل] سنة إلى عرفات؛ لأن العادة جارية بذلك من غير
استشعار أن هذا عبادة لله. لا جملة ولا تفصيلا أو يقاتل الكفار لأن قومه
قاتلوهم فقاتل تبعا لقومه ونحو ذلك. فهؤلاء لا تصح عبادتهم بلا تردد بل
نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة قاضية بأن هذه الأعمال لا تسقط الفرض فلا
يظن ظان أن قول من قال من الفقهاء: إن نية الإضافة ليست واجبة: أراد مثل
هؤلاء وإنما اكتفى فيها بالنية الحكمية كما قدمناه. ففرق بين من لم يرد
الله بعمله لا جملة ولا تفصيلا وبين من أراده جملة وذهل عن إرادته بالعمل
المعين تفصيلا. فإن أحدا من الأمة لا يقول: إن الأول عابد لله ولا مؤد لما
أمر به أصلا؛ وهذا ظاهر[14].
حج المرتد:
والدليل على ذلك: اتفاق الأئمة على أن من
كان مؤمنا ثم ارتد فإنه لا يحكم بأن إيمانه الأول كان فاسدا بمنزلة من أفسد
الصلاة والصيام والحج قبل الإكمال؛ وإنما يقال كما قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ﴾ [المائدة: 5] وقال ﴿ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر: 65] وقال: ﴿ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
﴾ [الأنعام: 88] ولو كان فاسدا في نفسه لوجب الحكم بفساد أنكحته المتقدمة
وتحريم ذبائحه وبطلان إرثه المتقدم وبطلان عباداته جميعها حتى لو كان قد حج
عن غيره كان حجه باطلا ولو صلى مدة بقوم ثم ارتد كان عليهم أن يعيدوا
صلاتهم خلفه ولو شهد أو حكم ارتد [لوجب] أن تفسد شهادته وحكمه ونحو ذلك.
وكذلك أيضا الكافر إذا تاب من كفره لو كان محبوبا لله وليا له في حال كفره
لوجب أن يقضى بعدم إحكام ذلك الكفر وهذا كله خلاف ما ثبت بالكتاب والسنة
والإجماع.[15].
الواقف بعرفات لا يسقط عنه ما وجب عليه من واجبات:
وأيضا فالواقف بعرفات لا يسقط عنه ما وجب
عليه من صلاة وزكاة بإجماع المسلمين بل هم متفقون على أن الصلاة أوكد من
الحج بما لا نسبة بينهما. فإن الحج يجب مرة في العمر على المستطيع والنبي -
صلى الله عليه وسلم - لم يحج بعد الهجرة إلا حجة واحدة وأما الصلاة فإنها
فرض على كل عاقل بالغ - إلا الحائض والنفساء - سواء كان صحيحا أو مريضا
آمنا أو خائفا غنيا أو فقيرا رجلا أو امرأة في اليوم والليلة نحو أربعين
ركعة سبعة عشر فريضة والسنن الرواتب عشر ركعات أو اثنتا عشرة ركعة وقيام
الليل أحد عشر ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وكذلك حقوق العباد من الذنوب
والمظالم وغيرها لا تسقط بالحج باتفاق الأئمة.[16].
القادر على الزاد والراحلة:
أنه إذا استطاع الحج بالزاد والراحلة وجب عليه الحج بالإجماع. [17].
وأما (الحج) فقد تنازع الناس في وجوبه فقالت طائفة فرض سنة ست من الهجرة عام الحديبية باتفاق الناس.[18].
وسورة آل عمران إنما نزل صدرها متأخراً
لما قدم وفد نجران بالنقل المستفيض المتواتر وفيها فرض الحج، وإنما فرض سنة
تسع أو عشر، لم يفرض في أول الهجرة باتفاق المسلمين[19].
من أمكنه الذهاب للحج دون العودة:
فإن مذهب عامة العلماء أن من أمكنه الحج ولم يمكنه الرجوع إلى أهله لم يجب عليه الحج[20].
سقوط الحج عن العاجز:
وكذلك الحج: فإنهم أجمعوا على أنه لا يجب على العاجز عنه[21].
متى فرض الحج؟
والحج إنما فرض سنة تسع أو عشر وقد اتفق الناس على أنه لم يفرض قبل ست من الهجرة[22].
عمرة الجعرانة:
وأما الجعرانة فأحرم منها لعمرة أنشأها
منها وهذا كله متفق عليه ومعلوم بالتواتر لا يتنازع فيه اثنان ممن له أدنى
خبرة بسيرة النبي صلى اللّه عليه وسلم وسنته[23].
الحج عن الميت:
وقد تقدم حديث عمرو بأنهم إذا صاموا عن المسلم نفعه وأما الحج فيجزى عند عاماهم ليس فيه إلا اختلاف شاذ[24].
الكعبة أفضل بقعة:
فأجاب: الحمد لله أما نفس محمد - صلى الله
عليه وسلم - فما خلق خلقا أكرم عليه منه وأما نفس التراب فليس هو أفضل من
الكعبة البيت الحرام بل الكعبة أفضل منه ولا يعرف أحد من العلماء فضل تراب
القبر على الكعبة إلا القاضي عياض ولم يسبقه أحد إليه ولا وافقه أحد عليه
والله أعلم[25].
الحج عن الميت بمال يؤخذ على وجه النيابة:
يجوز أن تحج عن الميت بمال يؤخذ على وجه النيابة بالاتفاق وأما على وجه الإجارة ففيه قولان للعلماء[26].
وجوب الحج:
وإنما وجب في سورة آل عمران بقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت) هذا هو الذي اتفق عليه المسلمون [27].
عدد عمر النبي - صلى الله عليه وسلم -:
ومعلوم باتفاق أهل العلم أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر في رمضان قط ولا خرج من المدينة في عمرة في
رمضان بل ولا خرج إلى مكة في رمضان قط إلا عام الفتح[28].
وإذا ثبت بالأحاديث الصحيحة أنه لم يعتمر
إلا في ذي القعدة وثبت؟ أيضا أنه لم يسافر من المدينة إلى مكة ودخلها إلا
ثلاث مرات: عمرة القضية ثم غزوة الفتح ثم حجة الوداع وهذا مما لا يتنازع
فيه أهل العلم بالحديث والسيرة وأحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم[29].
وعام فتح مكة لم يعتمر بل ثبت بالنقول المستفيضة التي اتفق عليها أهل العلم به انه إنما اعتمر بعد الهجرة أربع عمر[30].
وعام فتح مكة لم يعتمر، بل ثبت بالنقول
المستفيضة التي اتفق عليها أهل العلم به، إنه إنما اعتمر بعد الهجرة أربع
عمر منها ثلاث في ذي القعدة، والرابعة في حجته [31].
أن النبي صلى اللّه عليه وسلم اعتمر أربع عمر: الرابعة مع حجته ولم يعتمر بعدها باتفاق المسلمين[32].
اشتراط الأمن وسعة الوقت وخلو الطرق للزوم الحج:
فمن أعتقد أنه إذا حج أحصر عن البيت لم يكن عليه الحج بل خلو الطريق وأمنه وسعة الوقت: شرط في لزوم السفر باتفاق المسلمين[33].
حكم الحج على المعضوب:
ولم يقل أحد من أئمة المسلمين أن المعضوب عليه أن يحج أو يعتمر ببدنه، فكيف يبقى محرماً عليه إتمام الحج إلى أن يموت[34].
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق