استمع للقرآن الكريم

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة محاربته الشيخ عبدالله الجار الله مقالات متعلقة



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا، ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحْدَه لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحْبه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

أما بعدُ:
فإنَّ خير الكلام كلامُ الله، وخير الهدي هدْي محمدٍ، صلى الله عليه وعلى آله وصحْبه وسلم، وشر الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

عباد الله، لقد أخبر اللهُ - تعالى - أن هذه الأمة خير الأمم؛ لِمَا ميَّزها به، واختصَّها بالخصائص الكثيرة التي لَم تكنْ لغيرها.

ومِن هذه الخصائص: أنها تأمُر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وإن كانتْ هذه الخَصْلة موجودة في الأمم السابقة، لكنها لَم تتميَّز بها كما تميَّزتْ بها هذه الأمة، واستمرَّت عليها، فصارتْ سِمة من سماتها؛ كما قال - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

حيث مدَح الله - تعالى - هذه الأمة وأخبَر أنها خيرُ الأمم التي أخرجها الله للناس؛ وذلك بتكميلهم لأنفسهم بالإيمان المستلزم للقيام بكلِّ ما أمَر الله به، وبتكميلهم لغيرهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، المتضمن لدعوة الْخَلق إلى الله، وجهادهم على ذلك، وبذْل المستطاع في ردِّهم عن ضلالهم وغَيِّهم وعِصيانهم، ولقد تنوَّع خطاب القرآن في بيان فضْل هذا الركن العظيم وأهميَّته، فمِن ذلك:

أولاً: بيان فضل هذه الأمة وتميُّزها عن غيرها بسبب قيامها به كما تقدَّم.

ثانيًا: بيان أنه أهمُّ ما اتَّصف به الرسول - صلى الله عليه وسلم؛ قال - تعالى -: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157].

ثالثًا: الأمر به على وجْه الإلزام؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 104].

وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ رأى منكم مُنكرًا، فلْيُغيِّره بيده، فإنْ لَم يستطع فبلسانه، فإن لَم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان)).

رابعًا: التحذير من ترْكه، وبيان أن ترْكَه سبب لحلول اللعنة والعقوبة؛ قال - تعالى -: ﴿ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [المائدة: 78 - 79].

وروى أحمد عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: سمِعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلَم يغيِّروه، أوشَك الله أن يعمَّهم بعقاب منه)).

بل أخبَر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترْكَه سببٌ لعدم استجابة الدعاء؛ حيث قال في الحديث الذي رواه أحمد عن حذيفة - رضي الله عنه -: ((والذي نفسي بيده، لتأمُرنَّ بالمعروف، ولتنهَوُنَّ عن المنكر، أو ليوشكَنَّ الله أن يبعثَ عليكم عذابًا من عنده، ثم تدعونه فلا يَستجيب لكم)).

خامسًا: أن الله - تعالى - أخبر بأنه إذا أنزَل عقوبته على أُمة بسبب المعاصي، فإنه يُنجِّي أهل النصيحة والدعوة، والنهي عن الفساد؛ حيث قال: ﴿ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ﴾ [الأعراف: 164 - 165].

وغير ذلك مما ورَد في القرآن والسُّنة، مما يدلُّ على أهمية هذا الركن العظيم.

والمعروف: هو اسمٌ جامع لكلِّ ما يحبُّه الله ويرضاه؛ من الاعتقاد والقوْل والعمل، وعلى رأس ذلك: التوحيد وما يتعلَّق به، ثم سائر الواجبات.

والمنكر: هو اسم جامعٌ لكلِّ ما يبغضه الله ويأْباه؛ من الاعتقاد والقول والعمل، وعلى رأس ذلك: الشِّرْك وجميع ما يتعلَّق به، ثم البِدَع، ثم سائر المعاصي.

فينبغي للمؤمنين أن يستشعروا أهميَّة هذا الأمر، وأن يقوموا به أتَمَّ قيام، على حسب القُدرة والاستِطاعة، بالحِكمة والمَوْعِظة الحسَنة، وأن يحذروا من ترْكه أو التقصير في شأنه؛ فإن ذلك من المصايب العِظام.

والذي يتأمَّل أحوالنا هذه الأيام، يعرِف أننا قد قصَّرنا في هذا الركن العظيم، وهذا من أكبر المصايب؛ لأنه مُصيبة في الدين؛ حيث قلَّ التناصُح بيننا، والدعوة وإنكار المنكر؛ حتى رأيْنا التقصير في العبادة، وتفشِّي المنكرات في أنفسنا ومجتمعنا، نسأل الله أن يعفوَ عنا، وأن يقِيَنا شرَّ أنفسنا وأعمالنا.

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم؛ ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقِه وامتِنانه، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهَد أن نبيَّنا محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه، اللهم صلِّ وسلم وبارِك عليه، وعلى آله وأصحابه.

أما بعدُ:
فيا عباد الله، إذا كان الإرهابيون والتكفيريون يهدِّدون أمنَ البلاد، فإن مَنْ يعادون ويحاربون مَن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو من بعض المصلحين المحتسبين، كما نراه اليوم في الهجمة الشرسة في كثيرٍ من وسائل الإعلام، إنما يهددون مصدرَ الأمن، ونُصرة الله لنا؛ لأن الله جعل نُصرتَه ونُصرة دينه لا تتحقَّق إلا بالقيام بهذه الشعيرة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ [الحج: 40 - 41].

فكيف يجرؤ مسلم في قلبه ذرَّة إيمان أن يفعلَ ذلك؟!
وإن المسلم ليعجب حينما يسمع ويقرأ شيئًا من ذلك في بعض المقالات التي تُكتب في الصحف، والمنتديات، وما تحمله من تشهير وإساءةٍ لا يرضاها أضعفُ المؤمنين إيمانًا؛ استغلالاً لبعض الأخطاء اليسيرة التي قد تصدر من بعض الأفراد مقارنة بما يكون منهم من خيرٍ كثير، فيجعلونها بابًا للنَّيْل من القائمين بهذا الركن العظيم، فلنحذر عباد الله من أولئك الكُتَّاب الذين نذروا أنفسهم وأقلامَهم لمحاربة وانتقاد، وتجريح كلِّ ما هو خيرٌ في هذا المجتمع المسلم.

نعم عباد الله، إنهم بشرٌ كبقية البشر، يخطئون ويُصيبون، فالواجب لهم منَّا الإعانة والنُّصرة والتأييد عندما يصيبون، والنصيحة والأخْذ على اليد عندما يخطئون؛ ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 71].

لا أن نشهِّر بهم، ونعلن ونفرَح بأخطائهم، فإن ذلك من الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف؛ ﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾ [التوبة: 67].

اللهم اجعلْنا صالحين مصلحين، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر على الوجْه الذي تحبُّه وترضاه، يا قوي يا عزيز.

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ونبيِّك محمدٍ، وعلى آله وصحْبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعزَّ السلام والمسلمين، وأذِل الشِّرْك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، يا أرحم الراحمين، اللهم مَن أرادنا أو أراد دينَنا وشعائره أو بلادَنا بسوءٍ، اللهم ردَّ كيدَه في نَحْره، اللهم واشغله في نفسه.

اللهم أصلحْ أحوال المسلمين حُكَّامًا ومحكومين، يا ربَّ العالمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضاهم، وفكَّ أسرانا وأسْرَاهم، واغفر لموتانا وموتاهم، وألِّف بين قلوبهم يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الدنيا زيادة لنا في كلِّ خير، والموت راحة لنا من كلِّ شر يا ربَّ العالمين.

اللهم فقِّهنا في دينك، اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمْتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ مَن زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم حبِّب إلينا الإيمان وزيِّنه في قلوبنا، وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعِصيان، واجعلنا من الراشدين.

اللهم وآمِنِّا في أوطاننا، وأصلح أئمَّتنا وولاة أمورنا، اللهم وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا نستغفرك؛ إنك كنتَ غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهم اسقنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سُقيا رحمة، لا سُقيا بلاء ولا عذاب، ولا هَدْم ولا غَرق، ربَّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
المرجو نشر هذا الموضوع

Sharing Widget bychamelcool


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق المحفوضة لدى كلفين للمعلوميات 2013 - 2014 | © كلفين للمعلوميات عدد الزوار المتواجدين حاليا بالموقع

back to top