إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ به من
شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ونسأله التوفيق للحق والهدى، من يهد الله فهو
المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا، أحمده وأشكره وأشهد أن لا إله لا
الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم-
وعلى آله وأصحابه مصابيح العلم والهدى.
أما بعد:
أيها الناس..
اتقوا الله حق التقوى واحذروا معاصيه فإنها عنوان الجهل والردى، يقول -صلى
الله عليه وسلم-: (الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن
كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في
الشبهات وقع في الحرام)[1]. ومما ابتلى به السواد الأعظم من أهل الزمان شرب الدخان "التتن"
ولم يروا أنه محرم ولا حتى مكروه، وقد يجادل البعض عندما ينهى عنه أو ينكر
عليه، فيعتقد إباحته ويطالب بدليل صريح على حرمته، ويحتج بإقدام بعض
المنتسبين إلى العلم على شربه، والواقع أنه لو سأل العلماء الذين يحتج بهم
عن حرمته لأجابوه بأنه خبيث مضر، ولكنهم اعتادوه من نشأتهم وعظم عليهم
الإقلاع عنه، نصح العلماء وحذروا منه وبينوا مضاره المالية والجسمية التي
لا يشك فيها عاقل منصف، فهو يدخل في الخبائث التي يحرمها النبي -صلى الله
عليه وسلم- فيما أخبر الله عنه بقوله: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
﴾ [الأعراف: 157]، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر
ومفتر وهو مما يفتر في جميع حالاته، ويسكر في بعضها كما نص على ذلك بعض
العلماء المنصفين، ويحتوي على مادة سامة تسمى (النيكوتين)، وقد يسبب
أمراضًا يصعب برؤها، منها التهاب الرئتين فيكثر السعال، ويسبب تعطيل شرايين
القلب فيحصل ضيق التنفس فيؤدي بصاحبه إلى الموت، ويكون في هذه الحالة قد
أعان على قتل نفسه وهو محرم عليه، ومن الأدلة على تحريمه أنه إنه إسراف
وتبذير وقد حرم الله الإسراف وأخبر أنه لا يحب المسرفين، وأي إسراف وتبذير
أشد مما يبذله الإنسان من ماله الذي جعله الله له قوامًا في دخان يضر ولا
ينفع.
وقد عرف الصحابة - رضوان الله عليهم -
التبذير بأنه بذل المال في غير طاعة الله وفيما لا نفع فيه، ومن الأدلة على
تحريمه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما زال جبريل يوصيني
بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وشارب الدخان يؤذي جيرانه من الملائكة الذين
يكتبون الحسنات والسيئات ويؤذي جلساءه الذين لا يستعملونه خصوصًا في
المساجد، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من آذى مسلمًا فقد آذاني ومن
آذاني فقد أذى الله)[2].
ومن المعلوم عند كل عاقل منصف أن رائحة الدخان لا تقل كراهة عن كراهة
رائحة الثوم والبصل، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - آكلي البصل والثوم
باعتزال المساجد، وقد سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله تعالى - عن
التنباك فأجاب: إنه صح بالتواتر عندنا والمشاهدة إسكاره في بعض الأوقات
خصوصًا إذا أكثر منه شاربه أو تركه يومًا أو يومين ثم شربه فإنه يسكر ويزيل
العقل حتى أن صاحبه يحدث عند الناس ولا يشعر بذلك وأفتى - رحمه الله -
بضرب شارب التنباك ثمانين جلدة إن كان شربه بعد ما عرف أنه حرام وإن لم
يعرف حرمته فيدرأ عنه الحد ويؤمر بالتوبة، وقال مرة أخرى بأنه يضرب أربعين
جلدة فإن لم ينته أدب بثمانين جلدة. وقال الشيخ حمد بن ناصر بن معمر عن
التتن: "هو حرام ويجلد شاربه أربعين جلدة" كما سئل الشيخ عبد الله أبابطين
من علماء الدعوة عن التنباك فقال: الذي نرى فيه التحريم لحصول الإسكار فيه
والتحذير والتنفير، وكذا قال الشيخ محمد ابن إبراهيم رحمه الله تعالى
والشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى، وقال الشيخ خالد بن أحمد من
فقهاء المالكية: "لاتجوز إمامة شارب التنباك ولا يجوز الاتجار فيه"، وممن
حرمه من علماء مصر الشيخ أحمد السنهوري البهوتي الحنبلي وشيخ المالكية
اللقاني ومن علماء دمشق النجم الغزي من الشافعية ومن علماء اليمن الشيخ
إبراهيم بن جمعان ومن العلماء المعاصرين الشيخ عبد العزيز ابن باز والشيخ
عبدالله ابن حميد، كما أجمع علماء الطب المعتبرين على أن مضار الدخان أعم
من أن يكون تنباكًا، وقالوا: ويشعر بأعراضها كل من يباشر استعماله عند
البداية وهي دوران وغثيان وقيء وصداع وارتخاء الأعصاب ثم راحة - كناية عن
التخدير الذي يسببه -، وقد ذكر جمع من أكابر العلماء المار ذكرهم وغيرهم
وجهابذة الأطباء أن من العقل فضلًا عن الشرع وجوب اجتناب التدخين حفظًا
للصحة ودفعًا لدواعي الضعف وذكروا أن ضرر التدخين لا يقتصر على المدخن، بلى
يعم جلساءه في المكان كما يسري إلى نسل المدخن فيجعله ضعيف البنية شاحب
اللون فاسد المزاج لتمكن سم التبغ في جسم الوالد.
فهذا قليل مما ورد في تحريم الدخان ومضاره
الدينية والجسمية والمالية فليتق الله شاربه في نفسه فإنه محاسب عنها وفي
ماله الذي تفضل به عليه مولاه فلا ينفقه إلا فيما يعود بالخير عليه وعلى
مجتمعه، فكفى بالمرء سفهًا أن ينفق ماله فيما ضرره أعظم من نفعه على نفسه
وعلى ماله وعلى دينه ويؤذي به قرناءه من الملائكة والصالحين من الناس ويكون
به قدوة سيئة يقلده فيه أولاده والسفهاء الذين لا يميزون النافع من الضار،
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر
من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر
من عمل بها إلى يوم القيامة).
والحمد لله رب العالمين.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/1067/56298/#ixzz2he4AE0Qg
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق