الخطبة الأولى
الحمد لله الذي نصب من كل كائن على وحدانيته برهاناً، قال لنا في محكم كتابه ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
﴾ [النساء: 36]، أحمده سبحانه وتعالى وأسأله عفواً وغفراناً، وأشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له خلقنا ولن ينسانا، وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله خير الأنبياء والمرسلين بأمته براً وإحساناً.
أما بعد:
فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته، يقول تعالى: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 52].
عباد الله: إن الإنسان يجب عليه حقان
عظيمان أساسيان، لا ينفكان عنه طول حياته وهذان الحقان من باب مقابلة
الإحسان بالإحسان، والمعروف بالمعروف.
فالحق الأول:
هو حق خالقه تبارك وتعالى، فهو الذي أوجده من العدم، وصوره في أجمل صورة،
وفضله على كثير من خلقه تفضيلاً، ورباه بجميع النعم، ويسر له طرق الحياة،
وخلق له ما في الأرض جميعاً، وسخر له والديه ووضع له العطف والحنان في
قلبيهما، وهذا هو أول الحقوق وأعظمها وأهمها وهو الإيمان بالله وبما جاء من
عند الله على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
والحق الثاني: هو
حق الوالدين الذين خلق منهما ونالهما بسببه التعب والمشقة والهم والنكد من
أول أطواره، حيث يصبح إنساناً قوياً وبشراً سوياً، فبر الوالدين من أول
الحقوق بعد حق الله، ولقد قرن الله طاعته بطاعة الوالدين، وحث على القيام
بواجبهما في قوله تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]
والإحسان هنا يا عباد الله هو البر
والإكرام، والآيات والآثار الدالة على فضلهما، وعظيم حقهما كثيرة جداً،
ومنها تنافس المتنافسون وتسابق المتسابقون في تحصيلها ونيل عظيم أجرها
وثوابها، والمغبون الذي لم يظفر من ذلك بنصيب ولم يحظ منه بخير كثير ولا
قليل، فرضى الله في رضى الوالدين، وسخط الله في سخط الوالدين.
أخي المسلم:
اعلم أن إحسان والديك عليك عظيم، وما تفضلا عليك لا يوصف ولا يقدر بأي حال، تأمل حال الصغر، وتذكر ضعف الطفولة ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
﴾ [الإسراء: 24] أمك حملتك شهوراً تسعاً في الغالب تعاني بك في تلك
الأشهر، ما تعاني من آلام المرض ووحم وثقل، انظر أنت لو حصل لك انتفاخ
بالبطن ساعة واحدة، كم تنهار أعصابك، وتتخبط في آرائك من طبيب إلى طبيب،
إذا كان هذا حالك في ساعة واحدة، فما بالك بأمك حينما تتخبط وتتحمل هذه
الآلام لمدة قد تصل إلى ستة آلاف وأربعمائة وثمانون ساعة، وقاست بوضعك من
الآلام ما الله به عليم عندما جاءها المخاض شاهدت الموت، فتارة تنجو وتارة
تموت، ثم إذا وضعتك نسيت كل آلامها برؤيتك، وعلقت آمالها في محياك، ويا ليت
الألم والتعب ينتهي بالوضع لكان الأمر سهلاً، ولكن يكثر التعب والنصب
ويشتد بعده ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا
﴾ [الأحقاف: 15] ثم ترضعك أمك حولين كاملين، فتقعد بك مثقلة، وتقوم بك
مثقلة، تضيق أحشاؤها وقت حملك بالطعام والشراب، وتضعف عند وضعك أعضاؤها،
وتعهد منها لجسمها بالغسل، ولثيابك بالتنظيف، ولإفرازاتك بالإزالة، لا
يوماً ولا يومين ولا شهراً ولا شهرين، ولا سنة ولا سنتين، ولا تنسى الأب..
ذلك الذي أفنى نفسه ليسعد ابنه، واتعب جسده ليريح جسد ابنه، وجد واجتهد
ليكسب رزق ابنه، هذا هو الأب الذي جعل الله رضاه في بره حتى حانت أيام
مقدمك الأول طفق يحسب الأيام والليالي والساعات فرحاً بإطلالتك على الوجود
حتى إذا بُشر كاد يطير فرحاً وسروراً، ثم احسب خطواته إلى السوق بين متجر
وصيدلية وعيادة، كل ذلك في خدمتك ومن أجلك.
هي بك ليلها ونهارها في متاعب ومشاق، وأنت
في حال طفولتك لا تعرف إلا أمك وأباك، إذا أصابك شيء يؤلمك استغثت بهما
وناديتهما، تغيب بسمتهما إن غابت ضحكتك، وتذرف دموعهما إن اشتد عليك مرضك،
ويتحملان من الذل والشقاء أمثال الجبال كي تحيا وتسعد، يرقص قلبهما إذا ضحك
الوليد ولا تسعهما الدنيا فرحاً إذا حبا أو مشى، ويرون الحياة كلها نوراً
وجمالاً، وهما يرونه مع الصبيان يلعب أو إلى المدرسة يذهب، وهكذا يعيشان له
ومعه وهما ينتظران الأيام الحاسمة في حياتهما وحياته، حين ينجح ويكسب
ويتزوج، هل يكون لهما في ولدهما نصيب، أم كل جهودهما وتضحياتهما وآمالهما
تذهب ادراج الرياح.
هذان هما الوالدان.. لذلك جعل الله رضاه من رضاهما وقرن حقه بحقهما.
أخي المسلم:
ماذا عن دورك في بر هذين الفردين، قال تعالى: ﴿ وَقَضَى
رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا
تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا
كَرِيمًا ۞ وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
﴾ [الإسراء: 23، 24] فإن كان الأبوان شابين فلهما من التوقير والإحسان ما
لهما مما أوصى به القرآن الكريم، وإن كانا كهلين فلهما كذلك وإن كانا شيخين
فلهما ضعف ما لهما مراراً وتكراراً، فلا يجوز بحال من الأحوال في أي مرحلة
من مراحل عمرهما أن يرفع الوالد صوتهما عليهما أو يتناولهما بالسخرية
والاستهزاء، أو يعصي لهما أمرا ما لم يكن في معصية الله ورسوله، فهذا كله
حرمه الإسلام على المسلم، فقال جل وعلا: ﴿ فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ ﴾.
عباد الله:
ما أكثر من غلبت عليه شقاوته، وأعماه
شيطانه وأضله هواه، فنسي جميل أبويه ونسي حقهما عليه، تجد بعض الناس يسافر
دون أن يودعهما، ويرحل دون أذنهما، ترى بعض الناس يقدم زوجته وأولاده في
الفضل والإحسان والإنفاق على والديه، بل إن بعضهم قد يتطاول على أمه أو
أبيه بسبٍ وشتمٍ وضرب، ويقدم زوجته وأولاده، ألا بئس ما صنعوا، وتباً على
ما فعلوا، نقول ما يفعل هذا الفعل الشنيع إلا ابن جاحد شقي النفس، متحجر
الضمير، كل همه أن يأخذ ولا يعطي، ويُخدم ولا يخدم، يصانع الناس بلين
الكلام، ويختار الأحجار الكلامية لأبيه وأمه، ويبش في وجوه الناس، ويعبس في
وجه أبويه، ينظر إليهما بعين الجحود، ويتصرف معهما تصرف الوحش المفترس، له
مخالب ينهب بها ما يملكان ولو كان قوت يومهما، وله أنياب زرق ينشبهما في
جسم أبيه وأمه، ان سمع منهما أو رأى ما لا يرضيه، يذل أمه وأبيه ويبكيهما،
ويعز زوجته ويرضيها، ان طلبت أمه دراهم للدواء فهي في نظره دائماً تشكو
وتتوجع، وإن طلبت زوجته ثمن أقل الأدوية قال لها اذهبي إلى الطبيب والزمي
الفراش، واشتري ما شئتِ من دواء ومقويات، وعلى أمي أن تخدمك وتسهر بجانبك
أما معاملته مع والده فحدث ولا حرج، إن وقف أبوه جلس وهو ماد رجليه، وإن
خاطبه أبوه استهتر به، وعاب رأيه، ويناديه فلا يجيب، ويأمره فلا يستجيب، إن
أعان أباه بمال تكثره واستعلى، وإن قضى له حاجته تأمر واستقوى، وإن ناصحه
أبوه أو منع عنه شيء رفع صوته وضربه واستقوى عليه، ألا يخاف من الله، ألا
يخشى من الله، هذا الصنف من الأولاد ألا يعلم هذا الصنف من الأولاد أن دمعة
الأبوين بسبب ظلم الأولاد يجعلها الله عليهم ناراً، وإن أية دعوة منهما
مستجابة ولو كانا كافرين، قال - صلى الله عليه وسلم - (ثلاث دعوات مستجابات
لا شك فيهن، دعوة المظلوم ودعوة المسافر ودعوة الوالد على ولده) واعلموا
أنه مهما ظلم الأبناء آباءهم وأمهاتهم فإن غضب الله عليهم لا يفارقهم إلا
بالتوبة النصوح، واعلموا ان بر الوالدين جهاداً لا ينقطع، ففي حياتهما يثاب
المسلم على برهما والإحسان إليهما دون منه ممنونة، ودون ملل أو كراهية
وبعد موتهما يضل هذا الجهاد مستمراً والثواب إن شاء الله متحققاً، فواجب
على الأبن أن يترحم عليهما، ويدعوا لهما بالمغفرة حيين أو ميتين، ويشركهما
في صدقاته وفي حجة، وفي أضحيته وفي عمل الطاعات والقربات التي يريد بها وجه
الله.
إن بر الوالدين فرض لازم وواجب على
الأبناء لا يقوم به عبد إيماناً واحتساباً إلا فتح الله له ما بين الجنة،
وعقوقهما حرام وإجرام وذنب عظيم، بل كبيرة من الكبائر، لا يرتكب ذلك إلا
عبد يموت من غير توبة إلا فتح الله له بابين إلى النار، ففي الصحيح عن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال (رغم أنفه، ثم رغم أنفه) قيل: من يا رسول
الله؟ قال (من أدرك أبويه عند الكبر، أحدهما أو كليهما فلم يدخل الجنة ).
ثم اعلم - أخي المسلم - أن لوالديك حقّا عليك بعد وفاتهما، ومن البر بهما بعد موتهما:
أولا: الدعاء لهما بالرحمة والمغفرة ودخول الجنة والنجاة من النار، قال تعالى: ﴿ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ وللحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له).
ثانيا: سداد الديون المالية وقضاء الفرائض التعبدية كالحج والنذر.
ثالثا: صلة
أقربائهما، فقد جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر
أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: (نعم الصلاة عليهما - أي: الدعاء لهما
-، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما - أي: العمل بوصيتهما - من بعدهما،
وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما - مثل الجد والجدة والعم والخالة والخال
وغيرهم -، وإكرام صديقهما).
ألا فاتقوا الله عباد الله واعبدوا الله
وحده واستقيموا على أمره وأحسنوا إلى والديكم وقولوا لهما قولاً لطيفاً
ليناً وأكرموا مثواهما لعلكم تفلحون ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
﴾ [النساء: 36] نفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وسنة
نبيه الكريم، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم من كل ذنب إنه هو الغفور
الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أمر بالإحسان بالوالدين والقول لهما قولا كريما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ﴿ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 25].
أما بعد:
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى،
واعلموا أن البر والعقوق دَين ووفاء، فإذا أطعت - أيها المسلم - والديك
أطاعك أولادك، وإذا أكرمت والديك أكرمك أولادك، وبالعكس إذا توليت عن
والديك وأعرضتَ عنهما سلط الله عليك من ذريتك من لا يراعي فيك عهدا ولا
يحفظ لك ودًا ولا يقيم لك وزنًا ولا يعرف لك حقّ أبوّة ولا واجب بنوّة، جاء
في الحديث: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم)، لقد روي أن شيخاً كبيراً في السن
بينما هو جالس في السوق إذا بشابٍ مفتول العضلات يقوم بمسك ذلك الشايب
ويقوم بضربه ضرباً شديدا، فتعجب من في السوق من هذا العمل وأنكروا عليه
وقاموا بمسك ذلك الشاب وقاموا بضربه فصاح بهم الشايب المسن قائلاً: أتركوه
سيبوه هذا ولدي ووالله الذي لا إله غيره لقد ضربت جده لقد ضرب والدي في هذا
المكان قبل إحدى وعشرين سنة، لا إله إلا الله بعد إحدى وعشرين سنة يبعث
الله لهذا الشايب من صلبه من يعقه جزاء عقوقه، فكما تُدِين تُدَان والجزء
من جنس العمل.
أيها المسلم:
احذر عقوبة الله نتيجة لعقوقك، قال النبي -
صلى الله عليه وسلم -: (كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم
القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات)
وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: "لا تصحب عاقا لوالديه، فإنه لن يبرك
وقد عقّ والديه".
فاحذر - أيها المسلم - من العقوق وتضييع
الحقوق، قال عمر رضي الله عنه: (إبكاء الوالدين من العقوق)، وقال مجاهد
رحمه الله: "لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومن شدّ النظر إلى
والديه لم يبرهما، ومن أدخل عليهما ما يحزنهما فقد عقهما"، وسئل كعب
الأحبار عن العقوق فقال: "إذا أمرك والداك بشيء فلم تطعهما فقد عققتهما
العقوق كله". وأمّا العقوق فهو مأخوذ من العقّ وهو القطع، والمراد به
الإساءة إلى الوالدين في القول والفعل، وصور العقوق كثيرة، ومنها تقديم رضا
الزوجة على رضاهم، سألت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم
-: أيّ الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: (زوجها)، قالت: فعلى الرجل؟ قال:
(أمه). وكذا الغلظة والفظاظة ورفع الصوت والعبوس وعدم تلبية ندائهما وعدم
الإنفاق عليهما وعدم استئذانهما لسفر فيه مشقة وعدم المبالاة بمشاعرهما أو
التسبب في سبهما.
وأما عاقبة العقوق فالعقوبة العاجلة
للحديث: (كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق
الوالدين، فإن الله يجعله لصاحبه في الحياة قبل الممات)، الخسران والهلاك
لحديث: ((رغم أنفه، ثم رغم أنفه)، قيل: من يا رسول الله؟ قال: (من أدرك
والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة).
الحرمان من كلمة التوحيد عند الموت فعن
عبدالله بن أبي أوفي قال: كنا عند النبي فأتاه آت، فقال: شاب يجود بنفسه،
فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فلم يستطع، فقال: كان يصلي؟! فقال: نعم،
فنهض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهضنا معه، فدخل على الشاب، فقال
له: ((قل: لا إله إلا الله))، فقال: لا أستطيع، قال: (لم؟) قال: كان يعقّ
والدته؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أحيّة والدته؟) قالوا: نعم،
قال: (ادعوها)، فدعوها فجاءت، فقال: (أهذا ابنك؟) فقالت: نعم، فقال لها:
(أرأيت لو أجّجت نارا ضخمة، فقيل لك: إن شفعت له خلينا عنه وإلا حرقناه
بهذا النار، أكنت تشفعين له؟) قالت: يا رسول الله إذًا أشفع له، قال:
(فأشهدي الله وأشهديني أنك قد رضيت عنه؟)، قالت: اللهم إني أشهدك وأشهد
رسولك أني قد رضيتُ عن ابني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
(يا غلام، قل: لا إله إلا الله)، فقالها، فقال رسول الله - صلى الله عليه
وسلم -: (الحمد لله الذي أنقذه من النار).الجنة محرمة على العاقّ لحديث:
(ثلاثة حرم الله تبارك وتعالى عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث
الذي يقرّ الخبث في أهله).
إخواني المسلمين:
إني أدعوكم جميعًا - أيها الإخوان - أن لا
تخرجوا من هذا المسجد المبارك إلا وقد عاهدتم الله أنه من كان بينه وبين
والديه شنآن أو خلاف أن يصلح ما بينه وبينهم، ومن كان مقصرًا في بر والديه
فعاهدوا الله من هذا المكان أن تبذلوا وسعكم في بر والديكم، ومن كان بارًا
بهما فليحافظ على ذلك، وإذا كانا ميتين فليتصدق لهما ويبرهما بدعوة صالحة
أو عمل صالح يهدي ثوابه لهما.
هذا وصلوا وسلموا على خير الورى امتثالا لأمر الله جل وعلا: في قوله تعالى: ﴿
إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
[الأحزاب: 56] اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد
الله، وعلى آله الشرفاء، وصحابته الأوفياء، ومن دعا بدعوتهم واقتفى يا خير
من تجاوز وعفا، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر، وعمر، وعثمان،
وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،
وعنَّا معهم برحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين وأنصر عبادك المؤمنين اللهم ووفق ولي أمرنا لما تحب
وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى وأصلح به البلاد والعباد برحمتك يا أرحم
الراحمين.
اللهم أعنا على بر والدينا، اللهم وفق
الأحياء منهما، واعمر قلوبهما بطاعتك، ولسانهما بذكرك، واجعلهم راضين عنا،
اللهم من أفضى منهم إلى ما قدم فنور قبره، واغفر خطأه ومعصيته، اللهم
اجزهما عنا خيرًا، اللهم اجزهما عنا خيرًا، اللهم اجمعنا وإياهم في جنتك
ودار كرامتك، اللهم اجعلنا وإياهم على سرر متقابلين، يسقون فيها من رحيق
مختوم، ختامه مسك.
﴿ رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ
أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 147].
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 201].
عباد الله:
﴿ إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى
وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ۞
وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا
الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ
كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 90، 91]. فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق