الحمدُ لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه،
ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن
يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله
إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، حثَّ على
الخير والمسابقة إليه، - صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته -، وسلَّم
تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واعلموا أنَّ
الكثيرَ منكم قد زهِد في الخيرات وتكاسَل عنها، مِن ذلك الأذان في المساجِد
والدعوة إلى الله؛ قال - تعالى -: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33]، قالَتْ عائشةُ - رضي الله عنها -: أرَى هذه الآيةَ نزلتْ في المؤذِّنين.
فما هذا الزهد - يا عبادَ الله - في هذا الفضل العظيم؟!
ترَى الكثير مِن المساجد معطَّلة من المؤذِّنين إلَّا ما شاء الله، وإذا
أذَّن فيها مؤذِّن فبعد الفراغ مِن أعمال دُنياه، فبعض المساجد يُؤذِّن فيه
المؤذِّن، وبعضها قد أُقيمتْ فيه الصلاة، وبعضها قدِ انقضَتْ فيه الصلاة،
إنَّها مصيبةٌ قد أصابتِ المسلمين في شعيرةٍ مِن شعائر دِينهم؛ في النِّداء
للركن الثاني مِن أرْكان الإسلام، وقدْ كان الناسُ في الأزمنة الماضية
يتسابقون إلى هذه الفضيلة.
الكلُّ يُريد أن يسبقَ صاحبَه إلى هذا
الفضْلِ العظيم؛ لما يعلمون ما فيه مِن ثواب، ففي الحديث عن أبي هريرة -
رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يَعلمُ
الناسُ ما في النِّداءِ والصفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يَسْتَهِموا
عليه لاستهموا) [1]؛
لأنَّ كلاًّ إذا علم وتحقَّق ما في الأذان مِن عظيم الأجْر، وجزيل
الثَّواب أحبَّ أن يسبق إليه، ويختصَّ هو بالأذان، وغيره أيضًا يحبُّ ذلك
فوجبتِ القُرعة لحلِّ النِّزاع بينهم، إنَّه الفضل العظيم والثواب الجزيل
الذي لو عَلِمه الناس، لتسابقوا عليه ولحصلَ بينهم التنافُس، ورغِب كل واحد
أن يكونَ هو السابق والنائل له، حتَّى لا يحل نزاعهم إلا القُرعة.
إنَّه الفضل العظيم الذي تجاهَلَه الكثير من الناس، وانشغلوا عنه بحُطام الدنيا، وأصبح جُلُّ تنافسهم عليه.
عن عبدالرحمن بن أبي صَعْصَعة أنَّ أبا
سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه - قال له: إنِّي أراك تحبُّ الغنمَ والبادية،
فإذا كنتَ في غنمِك وباديتك فأذَّنْتَ للصلاة فارفعْ صوتَكَ بالنِّداء،
فإنَّه لا يسمع مدَى صوتِ المؤذن جنٌّ ولا إِنس إلَّا شهِد له يومَ
القِيامة، قال أبو سعيد: سمعتُه من رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وعن معاويةَ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((المؤذِّنون أطولُ الناس أعناقًا يومَ القيامة))[2].
وعن أنسِ بن مالك - رضي الله عنه - قال:
سمِع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً وهو في مسيرٍ له يقول: الله
أكبر، الله أكبر، فقال نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((على
الفِطرة))، فقال: أشهد أن لا إله إلَّا الله، قال: ((خرَج مِن النار))،
فاستبق القومُ إلى الرجل، فإذا راعِي غنمٍ حضرتْه الصلاة فقامَ يؤذِّن[3].
فيا عباد الله:
لا تَزْهدوا في هذا الفضل، واتَّقوا الله
في أنفسكم وفي أمَّتكم، تعطَّلتِ المساجد من المؤذِّنين إلَّا ما قلَّ
منها، وأصبح الأذان على الفراغ من أمور الدُّنيا الفانية، وقلَّ الاحتساب
والتعاون في أمورِ الخير، فلا بدَّ مِن الرُّجوع إلى الله، والأخْذ بالحظِّ
الوافِر من أعمال الآخرة، ومِن ذلك الاحتساب والمبادَرة والالتزام بالأذان
في المساجد، وملاحظة الوقْت في أوَّله، فلن يفوتَ على عبد شيءٌ مِن رزقه
الذي قُدِّر له.
وفي الالتزام بالأذان إعانةٌ على طاعة
الله بالتقدُّم إلى الصلاة في أوَّل وقتها، وإحسان إلى المسلمين في دعوتهم
إلى ربِّهم، وتنبيههم على دخولِ وقت الصلاة المفروضة عليهم، مع ما
يَدَّخِره الله للمؤذِّنين من خيرٍ عميم.
فبادروا - يا عبادَ الله - إلى فضْل مولاكم، واعْلموا
أنَّ البضاعة الرابحة هي ما يَدَّخِره الله لكم في الآخِرة، فالسعيدُ
والناصحُ لنفْسه من يبادر للفضل ما دام في استطاعته ذلك، فهذه الدار مزرعةٌ
وممرٌّ يتزوَّد فيها العاقل الدار المقرّ، فمَن وفَّقه الله للأعمال
الصالحة فيها نال ثوابَ ذلك في وقتٍ هو أحوج ما يكون إليها، ومَن حُرِم
العمل الصالح فيها، وأطاع هواه وشيطانه خسِر دُنياه وأخراه، فالسعادةُ في
الدنيا والآخرة بطاعة الله، وبما يُقرِّب من جنَّته.
فانتبهوا - يا عباد الله - وهُبُّوا مِن
رقداتكم، وانتبهوا مِن غفلاتكم، وفَّقنا الله جميعًا لما يُحبُّه ويرضاه،
وجنبنا معاصيَه وما يأباه.
أعوذ بالله مِن الشيطان الرجيم، قال الله العظيم: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم،
إنَّه هو التواب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلِّ ذنب فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلموا - رحِمكم الله - أنَّ الكثيرَ مِن
الناس قد أُصيب بالتكاسُل عن الصلاة وعن أدائها مع الجماعة، وأصبَح يراقب
وقتَ الإِقامة، وإذا سمع مؤذِّنًا متأخِّرًا في أذانه تكاسَل مع كَسَلِه،
وانصاع إلى هواه وشيطانه في التثبيط عن الحضورِ إلى الصلاة، معلِّلاً بأنَّ
الوقتَ واسع، وفي إمكانه إدراك الصلاة مع أنَّ الكثيرَ مِن المساجد قد
أُقيمت فيها الصلاة، وأصْبَح هذا المؤذِّن المتأخِّر في أذانه قدْ أعان
الكَسْلانَ على كسَلِه.
فيا مَن احتَسب والتزم بالأذان بادِر
بالأذان في أولِ الوقْت، حتى لا تترك للمتكاسِل فرصةَ التعلل والاعتذار
الواهي بتأخُّرِك في الأذان، ويا مَن أُصيب بهذا الكسل بادِرْ إلى الصلاة
في أوَّل الوقت، واحذرْ مِن الاتصاف بصفات المنافقين الذين لا يأتون
الصلاةَ إلا وهم كُسَالى، فما الذي بقِي لديك مِن أعمالِك إذا أُصِبْتَ في
صلاتك، ثم إنَّ الكثير من المساجد يكون فيها الذِّكْر والحديث والفوائد
الجليلة تُتلَى بين الأذان والإقامة.
والكثيرُ مِن الناس يُفوِّت على نفْسه هذا
الفضل ويترقَّب وقت الإقامة، فلا يحضُر إلا وقت إقامة الصلاة، فيُفوِّت
على نفْسه الخيرَ الكثير، وفضل حِلَق الذكْر والجلوس لانتظار الصلاة،
وتلاوة كتاب الله لمَن يقرأ القرآن والاستماع لمَن لا يقرأ، فاتَّقوا الله -
يا عباد الله - ولا تُفوِّتُوا على أنفسكم الفضائل، مع ما فيها مِن خِفَّة
وسهولة ومُتْعة نفْس.
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق