ألقى فضيلة الشيخ حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "سبيل العصمة من الفتن والشرور"،
والتي تحدَّث فيها عن العبر والعِظات في انصرام الأعوام، وذكر بعض ما
أصابَ المسلمين في شتى البِقاع من فتنٍ وبلايا، ثم نبَّه على طرق العلاج
والمخرج منها، وهو: لزوم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -،
ولزوم جماعة المسلمين والاعتصام وعدم الفُرقة والاختلاف.
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي له ما في السماوات
وما في الأرض وله الحمدُ في الآخرة، وهو الحكيمُ الخبير، وأشهد أن لا إله
إلا الله العليُّ الكبير، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه السراجُ
المُنير، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الناس:
أُوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا -،﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].
أيها المسلمون:
إن في انصِرام الأعوام لعِبَرًا، وإن في تجدُّد الأزمان لمُدَّكرًا، ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 44].
فالسعيدُ من اغتنمَ مواسمَ هذه
الدنيا، وتقرَّب فيها بطاعة المَولى، فالحياةُ الحقيقيةُ هي ما طُلِبَت في
ذكر الله - جل وعلا - وفي طاعته والتقرُّب إليه، ﴿ مَنْ
عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «مثلُ الذي يذكرُ ربَّه والذي لا يذكُرُ ربَّه كمثَلِ الحي والميت».
فالغايةُ الكُبرى من خلق هذه الدنيا: تحقيقُ العبودية لله - جل وعلا - وإخلاصُ الطاعة له - سبحانه وتعالى -، ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
فكن - أخي المسلم - مُحقِّقًا هذه الغايةَ العُظمى وهذا الهدفَ الأسمى، ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].
فالويلُ والحسرةُ والخُسران للغافلين والمُعرِضين عن طاعة الرحمن: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾ [الشعراء: 205- 207]، ويقول - جل وعلا - أيضًا: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1- 3].
إخوة الإسلام:
من السعادة أن يطولَ عمر المسلم
وهو إلى طاعة ربِّه مُسارِعًا وإلى التقوى مُبادِرًا؛ فقد أخرج مسلمٌ عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا يتمنَّينَّ
أحدُكم الموتَ، ولا يدعُو به قبل أن يأتيَه، إنه إذا مات أحدُكم انقطَع
عملُه، وإنه لا يزيدُ المؤمنَ عُمرُه إلا خيرًا».
وفي "المُسنَد" أن رجلاً سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس خيرٌ؟ قال: «من طالَ عُمرُه وحسُن عملُه»، ثم سألَ عن أيّ!ِ الناس شرٌ؟ قال: «من طالَ عُمرُه وساءَ عملُه»؛ ورواه الترمذي، وقال: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".
فيا أيها المؤمن:
اغتنِم حياتَك قبل موتك، وشبابَك
قبل هرَمك، وصحَّتَك قبل مرضِك، وفراغَك قبل شُغلك؛ فإن الفلاحَ الذي هو:
الظَّفَرُ بالمطلوب، والهرَبُ من المرهوب إنما يكون لأهل الإيمان والتقوى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1].
أيها المسلمون:
الأمةُ في أحوجِ ما تكون إلى
معرفة المبادئ التي يتحقَّقُ بها الأمنُ من المخاوِف، والأمانُ من الشُّرور
والمخاطِر، إن أمَّتَنا في ضرورةٍ إلى معرفة الأسباب التي تدرأُ الأغراضَ
والشُّرورَ في الحاضر والمُستقبل، ألا وإن هذه المبادئ لا تكون إلا في أن
تعيشَ الأمةُ حلاوةَ الإيمان الصادق الذي يُصدِّقُه العملُ بشريعةِ الرحمن
والوقوفِ عن حدودِ القرآن، والتقيُّدِ بهديِ سيد ولد عدنان - عليه أفضلُ
الصلاة والسلام -،﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4].
فإدراكُ الأمن في مجالات الحياة
كلها لا يتوفَّرُ إلا حينما يتحقَّقُ الإيمانُ الخالصُ الذي يقودُ إلى
الحذر من المُوبِقات والفحشاء والمُنكرات، يقول ربُّنا - جل وعلا -: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82].
إخوة الإسلام:
في عامنا المُنصرِم عانَت الأمة
من مِحَنٍ وفتنٍ، وقاسَت مصائِب وإحَن، ولا تزالُ مُصابةً في كثيرٍ من
أبنائها وبُلدانها، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ألا وإن النجاةَ في التوبة إلى الله - جل وعلا -، فربُّنا - جل وعلا - يقول: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ﴾
[الذاريات: 50]، إن المسلمين آنَ لهم أن يستجيبوا لله - جل وعلا - ولرسوله
- صلى الله عليه وسلم - في كل شأنٍ من شؤونهم، وأن يُحكِّموا شرعَه في
أحوالهم وأوضاعهم ومجالات حياتهم، يقول ربُّنا - جل وعلا -: ﴿ إِنَّمَا
كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [النور: 51، 52].
ويوم تقِفُ الأمةُ بصدقٍ وإخلاصٍ
مُحكِّمةً شرعَ ربِّها، مُهتدِيَةً بهدي رسولها - صلى الله عليه وسلم -،
فلن تجِد إلى الشقاء سبيلاً، ولا إلى الضعفِ والهوانِ طريقًا، ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123، 124]، وفي الحديث الصحيح: «تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضِلُّوا: كتابَ الله وسُنَّتي».
فمن أقامَ حياتَه على المنهج
الإسلامي والتزَمَ بالشرعِ الإلهي واعتصَمَ بالهدي النبوي فهو محروسٌ -
بإذن الله - من المخاطِر، معصومٌ من الفتن والشُّرور؛ كيف لا وقد قال
ربُّنا - جل وعلا -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الحج: 38].
ألا وإنه لا مخرجَ من هذه المصائب
التي تتلاحقُ بالأمة، ولا مُخلِّصَ من هذا العناء والشقاء السياسي
والاقتصادي والاجتماعي إلا بتوبةٍ صادقةٍ إلى الله - جل وعلا -، ورجعةٍ
جادَّةٍ إلى مبادئ الإسلام وقِيَمه وثوابته؛ فربُّنا - جل وعلا - يقول: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3].
فعليكم - معاشر المسلمين - بتقوى
الله - جل وعلا - يجعل لكم من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل همٍّ فرَجًا، ومن كل
بلوًى عافية؛ فربُّنا - جل وعلا - يقول: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].
ونبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - يقول في الوثيقة العظيمة: «احفَظ
اللهَ يحفَظك، احفَظ اللهَ تجِده تُجاهَك، إذا سألتَ فاسأل اللهَ، وإذا
استعنتَ فاستعِن بالله، واعلم أن الأمةَ لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم
ينفعُوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، ولو اجتمعُوا على أن يضُرُّوك لم
يضُرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك».
بارَكَ الله لي ولكم في القرآن،
ونفعَنا بسنَّة سيد ولد عدنان - عليه أفضلُ الصلاة والسلام -، أقولُ هذا
القولَ، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه،
إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وليِّ الصالحين، وأشهد
أن لا إله إلا الله إلهُ الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدَنا ونبيَّنا
محمدًا عبدُه ورسولُه عليه إمامُ المتقين، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك عليه
وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد، فيا أيها المسلمون:
إن هذا الشهرَ الكريمَ شهرُ الله
المُحرَّم فضلُه عظيم، والعملُ الصالحُ فيه عند الله كريم؛ في "صحيح مسلم"
عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أفضلُ الصيام بعد شهر رمضان: صيام شهر الله المُحرَّم».
وإن أفضلَ الصيام في هذا الشهر:
صيامُ العاشر منه، وهو يومُ عاشوراء؛ ففي "صحيح مسلم" أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - سُئِل عنه، فقال: «إني أحتسِبُ على الله أن يُكفِّرَ السنةَ التي قبلَه».
والسنةُ أن يصوم التاسع، لما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لئن بقيتُ إلى قابلٍ لأصومنَّ التاسِعَ».
وقد ذكر بعضُ أهل العلم أن أكملَ المراتب أن يصومَ يومًا قبلَه ويومًا بعده، واستدلَّ بحديثٍ في "المُسند": «خالِفوا اليهُود، صوموا يومًا قبله ويومًا بعده»؛ وحسَّن سندَه بعضُ أهل العلم، وضعَّفه بعضُهم.
ثم إن الله - جل وعلا - أمرنا
بأمرٍ عظيمٍ تزكُو به قلوبُنا، وتصلُح به أحوالُنا، وترتفعُ به درجاتُنا،
وتُكفَّرُ به سيئاتُنا، ألا وهو: الإكثارُ من الصلاة والتسليم على النبي
الكريم.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على
سيِّدِنا ونبيِّنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمة
المهديين: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصحابة أجمعين، ومن
تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك أن تجعل عامَنا
عامَ فلاحٍ وفوزٍ ونُصرةٍ للإسلام والمسلمين، الله اجعلنا فيه من المتقين،
اللهم اجعلنا فيه من الفائزين السعيدين، اللهم أدخِل هذا العامَ على أمةِ
الإسلامِ بكل خيرٍ، اللهم اصرِف عنها فيه كلَّ شرٍّ وبلاءٍ يا ذا الجلال
والإكرام، اللهم اصرِف عنها كلَّ شرٍّ وضرَّاءٍ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياءِ منهم والأموات.
اللهم احفظ المسلمين في كل مكان،
اللهم احفظ المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم أصلِح
أحوالَهم، اللهم أصلِح أحوالَهم، اللهم ارزقهم الأمنَ والأمانَ، اللهم
ارزقهم الاستقرارَ والرخاءَ يارحمن.
اللهم ولِّ على المسلمين
خِيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين
خيارَهم، اللهم جنِّبهم شِرارَهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واكفِهم
الفُجَّارَ يا حيُّ يا قيُّوم.
اللهم وفّق وليَّ أمرنا لما
تُحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه ونائبَه لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهما لما
تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقهما للتقوى يا حيُّ يا قيُّوم، اللهم وفِّقهم لما
فيه صلاحُ البلاد والعباد.
اللهم ارحمنا برحمتك، اللهم ارحمنا برحمةٍ تُغنينا بها عن رحمةِ من سِواك، اللهم آتِ نفوسَنا تقواها، وزكِّها أنت خيرُ من زكَّاها.
اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم أنت الغنيُّ ونحن الفقراء،
أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا،
اللهم أغِثنا، اللهم اسقِنا واسقِ ديارَ المسلمين، اللهم اسقِ ديارَنا
وديارَ المسلمين، اللهم اسقِ ديارَنا وديارَ المسلمين يا غنيُّ يا حميد، يا
غنيُّ يا حميد.
اللهم وفِّقنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقنا لما تحبُّ وترضى.
اللهم صلِّ وسلِّم على نبيِنا ورسولِنا محمد.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/1067/61705/#ixzz2j11nOKsW
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق