الخطبة الأولى
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، اللهم لك الحمد حمدا يوافي نعمك
ويكافئ مزيد فضلك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن
سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، اللهم صل وسلم وبارك
على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم
الدين.أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).
أيها المؤمنون: لقد اهتم الإسلام بأفراد المجتمع وراعى اختلاف مستوياتهم، فأولى الضعفاء منهم اهتماما بالغا، ورغب في رعايتهم، وأمر بالإحسان إليهم، وجعل البر في رعايتهم، قال تعالى:( ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين) وإن من أعمال البر كفالة الأيتام ورعاية الأرامل، فذلك مطلب إنساني ومظهر حضاري، دعا إليه الإسلام في نصوصه، ووجه الناس إلى العناية به والنهوض بوسائله، والأيتام هم الأطفال الذين فقدوا آباءهم، وحرموا بفقدهم من رعايتهم وحنانهم، وقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى اليتيم فقال تبارك وتعالى:( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى) وأوصى بحسن معاملته فقال تبارك وتعالى:( فأما اليتيم فلا تقهر) وحث على الإنفاق عليه فقال عز وجل:( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى) وحذر من أكل أموال اليتامى فقال سبحانه:( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)
وقد شجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفالة الأيتام، وجعل لمن كفل يتيما وأولاه الرعاية والحنان مقاما في الجنان، فقال صلى الله عليه وسلم :« أيما مسلم ضم يتيما بين أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني وجبت له الجنة البتة».
وبشر صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بمعيته في الجنة فقال:« أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة». وأشار بالسبابة والوسطى.
وهذا فضل عظيم، فالقرب من منزلة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة غاية عظمى، ومطلب عزيز لكل من يريد النجاة في ذلك اليوم، وهذا ما يفوز به من قام بكفالة اليتيم، ولتأكيد هذا القرب يوم القيامة أشار النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعين ليس بينهما شيء وهما السبابة والوسطى، ومن حكمة هذا الثواب العظيم بالقرب من منزلة الأنبياء أنهم يبعثون إلى أقوام لا يعقلون أمر دينهم فيعلمونهم ويرشدونهم ويوجهونهم لما فيه خير دينهم ودنياهم، وكذلك كافل اليتيم فإنه يقوم بكفالة من لا يعقل من أمر دينه ولا دنياه شيئا، فيعلمه ويرشده، ويوجهه لما فيه فلاح دينه ودنياه. وكفالة اليتيم كما تكون برعايته والإنفاق عليه تكون أيضا بتربيته وتوجيهه وتعليمه وتثقيفه وتفقد أحواله وحثه على الفضائل وتحذيره من الرذائل بكلمة طيبة، أو لمسة حانية تجبر بها خاطره، وتصلح بها شأنه، فينشأ نشأة سوية بعيدا عن الوقوع في المشكلات الاجتماعية والأخلاقية، ويمارس دوره الفعال في بناء مجتمعه بفضل هذه الرعاية المبكرة، والتي قد تسهم في اكتشاف الموهوبين منهم، وتجعلهم زادا لوطنهم، فتقدم المجتمعات مرهون بمدى الاستفادة من موارده البشرية، التي تشارك في بناء الحضارة.
عباد الله: ومن الذين أولاهم الإسلام بالرعاية الأرامل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« اللهم إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة».
وأضعف ما تكون المرأة عند فقد زوجها وغياب عزيزها، وفقدان سندها وذهاب سكنها، فتصبح أسيرة الإرمال، وهو الحرمان من الرعاية لها ولأولادها، وياله من شعور مؤلم تشعر به المرأة بعد وفاة زوجها، إذ تشعر بالضعف والانكسار، ولهذا جاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ولا يأنف أن يمشى مع الأرملة والمسكين فيقضى له الحاجة.
ومع أن الإرمال محنة شديدة، ونكبة موجعة للمرأة، ولكن لا ينبغي أن تلجئها هذه المحنة إلى الانهيار، بل عليها أن تواصل عطاءها، وتجعل من صبرها وقوة إيمانها طاقة جياشة على أسرتها، تحتضن بها أبناءها، وتظللهم برعايتها وحنانها، وإن إدراك الأرملة لعظيم دورها وأهمية كفالة أيتامها، وما ترجوه من ثواب عند الله تعالى هو الذي يجعلها تكافح من أجل النجاح لتفوز بجنات النعيم وعطاء الكريم.
أيها المسلمون: وينزل في حكم اليتيم الطفل الذي فقد الرعاية الأسرية، وأضحى بين يدي المجتمع ينتظر منهم الرعاية والمساعدة، والمساندة والمعروف، فهنيئا لكل من سعى على أرملة فأعانها، وعلى يتيم فكفله، وعلى فاقد للرعاية الأسرية فساعده، فرعاية المجتمع لهذه الفئات من الناس يتطلب تفقدهم في المناسبات والسؤال عنهم في الملمات ومبادلتهم بالزيارات، والسعيد من رسم الابتسامة في نفوس المحتاجين، ومد يده بالرحمة لمواساة المحرومين، وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل المعروف هم السابقون إلى جنات النعيم، فعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« كل معروف صدقة، وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة... وأول من يدخل الجنة أهل المعروف».
اللهم وفقنا جميعا لطاعتك وطاعة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم وطاعة من أمرتنا بطاعته، عملا بقولك:( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم،
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واحرصوا على الاهتمام بفاقدي الرعاية الأسرية ومد يد العون لهم، ودعم الدور والمؤسسات التي تعمل على وجود وتأمين الأسر الحاضنة لفاقدي الأسرة وتنشئهم على تعاليم الدين والقيم والعادات الأصيلة, وإفساح مجال العمل لهم، فهذا من الواجب الوطني والاجتماعي والإنساني، وهو باب من أبواب الخير الذي أمرنا به الله تعالى في قوله عز وجل:( وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)
هذا وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى:(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا» اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.
اللهم وفقنا للأعمال الصالحات، وترك المنكرات، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه فى قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا دينا إلا قضيته، ولا مريضا إلا شفيته، ولا ميتا إلا رحمته، ولا حاجة إلا قضيتها ويسرتها يا رب العالمين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم وفق ولي أمرنا رئيس الدولة، الشيخ خليفة ونائبه لما تحبه وترضاه، وأيد إخوانه حكام الإمارات وولي عهده الأمين.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم ارحم الشيخ زايد، والشيخ مكتوم، وإخوانهما شيوخ الإمارات الذين انتقلوا إلى رحمتك، اللهم اشمل بعفوك وغفرانك ورحمتك آباءنا وأمهاتنا وجميع أرحامنا ومن كان له فضل علينا.
اللهم أدم على دولة الإمارات الأمن والأمان وعلى سائر بلاد المسلمين.
اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
المرجو نشر هذا الموضوع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق